للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النساء: ١٧١، مما يدل على أن الغلو في حب الأنبياء والصالحين سبب كبير في انحراف الناس عن حقيقة التوحيد وعن الدين الصحيح.

والواقع أن وقوع البدع المتقابلة -والتي لم يخل منها دين قط- هي في ذاتها دليل على عدم انفكاك العبودية عن الإنسان؛ فإنه إن لم يتعبد متبعاً تعبد مبتدعاً.

- الاتجاه الثالث:

الملاحدة: وهم الذين لا يدينون بدين، ولا يؤمنون بخالق، أو يتبعون مذاهب تستلزم إنكار وجود الخالق-سبحانه وتعالى-، كبعض الفلاسفة (١)، والدهريين والشيوعيين وبعض العلمانيين (٢)، ونحوهم من الكفار الملاحدة (٣).

ومما لا شك فيه أن كثيراً من دول العالم الغربي والشرقي تعاني من نزعة إلحادية عارمة، جسدتها الشيوعية المنهارة والعلمانية المخادعة، كما تسرب للعالم الإسلامي هذا السم الزعاف، بعد سقوط الخلافة الإسلامية تحت شعار الأدب وغيره (٤).

وقد جاء الإلحاد كردة فعل للغلو والتشدد، مما أصابهم بحالة من التفريط تمثلت في الانسلاخ من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية؛ ويغتنم أصحاب البدع المتقابلة نشر بدعهم في وحل الإلحاد، وجذب أولئك البشر روحانياً وعقائدياً إليها؛ لأن النفس البشرية مهما ابتعدت بالإلحاد والانصراف، فهي في حاجة إلى الانتماء العقائدي لأي شيء يطرح أمامها.

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "كل من استكبر عن عبادة الله لابد أن يعبد غيره" (٥).

على أن الذي يهمنا هو معرفة العلة الحقيقية لظهور هذه الاتجاهات المغالية، والتي تكمن في العلة النفسية الجِبِليَة، وهي أن النفوس البشرية لا تنضبط دائماً على المنهج العدل الوسط، بل تجنح عنه ذات اليمين أو ذات الشمال: إما بالإيغال المهلك، وإما بالتفريط المسرف، وقد وقعت بعض هذه الاتجاهات في الأول كما وقع البعض الآخر في الثاني.


(١) أصحاب مدرسة وحدة الوجود، والمدرسة الوضعية.
(٢) يعد أتباع العلمانية هم المؤسسين الحقيقين للإلحاد، ومن هؤلاء: أتباع الشيوعية والوجودية والدارونية.
(٣) ينظر: الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة للدكتورين العقل والقفاري (ص ١١ - ١٣).
(٤) ينظر: الموسوعة الميسرة (٢/ ٨٠٣).
(٥) العبودية (ص ١٠٠).

<<  <   >  >>