للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس والمخالفين، وهذا الغلو في تهذيبها إلى حد التضييق والتعذيب، هو التفريط الذي أعقبه إفراط.

ب من ناحية الأعداء: الذين يسعون في نشر الخرافات والغلو فيه، فيدفعوا سائر الأتباع نحو أعمال وأفعال تخالف ذلك الدِّين وتضرّ به، فيظهر الغلو والجفاء بين الأتباع فمنهم من يسلك الحميَّةَ والجدِّيّة الدينية، ومنهم من يجرُّء على المعصية والفسق والفجور التي تؤدِّي إلى هلاك كلِّ ملّة وفناء كل أمّة.

٢ - الجهل وقصور الفكر: الأكثرية في كل مجتمع هي طبقة الجهلاء والسطحيين، الذين يعجزون عن تلقي حقائق الدين العالية وتوحيد الله الخالص، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} يوسف: ١٠٦، لذلك كلِّه يرى في تاريخ الأديان أن الدِّين الذي نجح في جلب أكثرية الناس هو ذلك الذي طرح معبوداً بصورة محسوسة وملموسة (١).

٣ - الغلو في حب الأنبياء والصالحين: الأنبياء يتميزون عادةً بقدرات فكرية وقِوَى علميّة وشمائل أخلاقية عالية يفوقون فيها سائر أفراد البشر، كما أن الله يمنحهم -لأجل تأييد نبوتهم- تصرفات من خرق العادات وإظهار المعجزات، مما يجعل بعض الأتباع -بدلاً من اتباعهم وتصديقهم- تُدْهِشُهُم تلك القوى والدرجات العالية والمعجزات الباهرة فيُسْحَرُون بها ويستنتجون منها خطأً أن أصحابها ذوو صفات إلهية فيقعون في الغُلُوّ والانحراف وتدخل من هذا السبيل كثير من الخرافات، قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}


(١) أهل الملل والنحل من غير المسلمين اتخذوا وسائل لمعرفة الله -عز وجل- من الصفات الجليلة، والصلة التي بينه وبين خلقه؛ فشبهوه بأجسام مختلفة، ومثلوا صفاته في ضروب من الصور والأشكال؛ فلما طالت عليهم الآمال بقيت هذه الصور الممثل بها، وزال من قلوب الناس اسم الله الذي لم يزل ولا يزال، وصارت المشبهة بها أوثانًا وأصنامًا وتماثيل، وطفق الناس يعبدونها، ويسجدون لها ظنًّا منهم أنها مظهر من مظاهر صفات الله، ومشاهد قدرته، وتفننوا في تصور صفات الله بهذه التماثيل المنحوتة، والأوثان المصنوعة.
ينظر: الأديان والمذاهب (ص ٦٧ - ٦٨).

<<  <   >  >>