للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن كتب الله هي كلامه الذي هو صفته منه بدأ، فهي غير مخلوقة ولكنها كلام الله، وهذا هو معنى إسناد الفعل إلى الله بأنه فاعله، فالفعل صفة الفاعل، وهو معنى إسناد الفعل إلى الله بأنه منه؛ لأنه ابتدأ منه وخرج منه سبحانه، فكتب الله كلامه منه بدأت، تكلم بها أولاً سبحانه ثم تناقلت كلامه سبحانه الألسن وحفظته الصدور والسطور وهو حيث تصرّف كلام الله؛ لأنه منه بدأ، فهو غير مخلوق، فإن قيل: كيف يكون الكتاب كلامه الذي هو صفته وقد كتب باليد المخلوقة على الورق المخلوق بالحبر المخلوق، وحفظته الصدور المخلوقة ورددته الألسن المخلوقة، فالجواب: يكون كلام الله؛ لأنه منه بدأ، فالكلام ينسب إلى من تكلم به أولاً حيث تصرف، فإنك إذا تلوت حديثاً من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصوت نفسك ولسان نفسك لا يقول أحد: إن هذا كلامك، وإن كان بأداء نفسك، بل يقول: هذا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أن صوتك المسموع منه هذا الكلام ليس هو صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا لسانك وحركات فمك بالحروف والكلم هي لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحركات فمه الشريف، ولكنه كلام رسول الله؛ لأنه هو الذي تكلم به أولاً وخرج منه - صلى الله عليه وسلم - في ابتداء الأمر، هذا وكلامه - صلى الله عليه وسلم - مخلوق ككلامنا، فكذلك كلام الله إذا تلوته أو حفظته أو كتبته هو كلام الله وليس كلام التالي والكاتب، وكلامه الذي نشأ منه سبحانه هو صفته غير مخلوق، فلا يكون نشأ مخلوقاً ولا من مخلوق.

ويجلي الأمر بيان أن الكلام ينسب نسبتين نسبة إلى المتكلم به أولاً، فيكون كلامه الذي هو صفته، ونسبة إلى المبلغ فيكون تبليغه، فالأولى: نسبة إنشاء، والثانية: نسبة تبليغ، وهذا يبطل قول أهل البدع إن القرآن مخلوق" (١).

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن هذه الآية أيضاً قد تضمنت الرد على بدعة الإفراط، ففي قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}، رد على


(١) الإيمان بالكتب، أ. د. محمد أبو سيف الجهني (ص ٢٩ - ٣١).

<<  <   >  >>