للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن فيها رداً على بطلان مذهب الجبرية الذين بالغوا في تصور يوم الآخر بما لم يرد به دليل شرعي، فاعتقدوا أن الإنسان مسير في أفعاله، فنفوا الحساب، فجاءت هذه الآية لدلالة على أن المعاد فيه الحساب، والحساب لا يكون إلا على الأعمال التي عملوها في الدنيا، فكان الوعيد في قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ}، متجهاً إلى من كان قادراً على أفعاله، لا إلى من كان مجبوراً على فعله.

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

الباعث لهم في الانحراف عن الإيمان باليوم الآخر، ومنابذة الأدلة والبراهين، هو:

توظيفهم الأقيسة الفاسدة في مقابل تلك الأدلة والبراهين؛ حيث قاسوا الله على خلقه، فأوجبوا عليه - سبحانه وتعالى - أموراً، وحظروا عليه - عز وجل - أخرى (١)، كمحاسبته لخلقه.

كما أن مستند من أنكر اليوم الآخر، استحالته في عقولهم القاصرة، فكيف يبعث الناس وقد صيرهم الموت عظاماً بالية، ورفاتاً بائدة، وليس ما يجري للميت من جنس المعهود في هذا العالم.

قال ابن القيم - رحمه الله -: " والله سبحانه إنما أشهد بني آدم في هذه الدار ما كان فيها ومنها، فأما ما كان من أمر الآخرة فقد أسبل عليهم الغطاء، ليكون الإقرار به، والإيمان به سبباً لسعادتهم" (٢).

- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد.

أتت هذه الآية الكريمة للدلالة على أن المذهب الحق ليس ما ذهب إليه أصحاب الإفراط أو التفريط في الإيمان باليوم الآخر، بل هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، "فعقيدة أهل السنة أصح مباني وأوضح معاني، وحسبك أنها جامعة لمحاسن العقائد" (٣)؛ فأهل السنة يؤمنون بحصول ذلك اليوم ورجوع الناس إلى ربهم، ويؤمنون بكل ما يجري في


(١) لذلك نُعِتوا بأنهم "مشبهة في الأفعال": لتشبيههم الله تعالى بخلقه، فجمعوا بن النقيضين: التشبيه، والتعطيل.
(٢) الروح (ص ١٠٣).
(٣) الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لمحمد بن إبراهيم الوزير، تحقيق: علي العمران (٢/ ٥٢٢).

<<  <   >  >>