للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحسن بن ثواب (١):

" قال لي أحمد بن حنبل: ما أعلم الناس في زمان أحوج منهم إلى طلب الحديث من هذا الزمان. قلت ولم؟ قال: ظهرت بدع فمن لم يكن عنده حديث وقع فيها" (٢).

ويعلم من هذا أن اتباع نور الرسالة ودعوة الناس إليها وتعليمهم إياها، لمن أعظم سبل رد البدع ودحضها.

رابعاً: مجادلة أهل الباطل، ومعارضة كل ما خالف دلالات النصوص الشرعية:

المجادلة: مصدر جادل: وهو مقابلة الحجة بالحجة، ذكره ابن الأثير (٣).

وقال الراغب الأصفهاني (٤): " الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة وأصله من جدلت الحبل: أي أحكمت فتله" (٥).

ويعلم أن ما ثبت في النصوص وكلام السلف من الذم للجدال وأهله والتحذير من مجادلة أهل البدع-ليس على عمومه، بل جاء الأمر ببعض صور المجادلة والثناء عليها في بعض النصوص من الكتاب والسنة ... فالمجادلة تكون محمودة أو مذمومة تبعاً لموضوع المجادلة، فإن كانت المجادلة في أصل من أصول الدين يمكن أن يظهر الحق فيه بالمجادلة والمناظرة، فالمجادلة فيه ممدوحة (٦)

على ما جرى بذلك فعل السلف فإنهم كانوا


(١) هو: الحسن بن ثواب، أبو علي التغلبي المخرمي، من خواص تلاميذ الإمام أحمد، روى عنه الخلال، وقال عنه: شيخ جليل القدر، وقال عنه الدارقطني: بغدادي ثقة، مات سنة (٢٦٨ هـ).

ينظر: طبقات الحنابلة (١/ ٣٥٢).
(٢) الآداب الشرعية لابن مفلح (٢/ ٣٨ - ٣٩).
(٣) ينظر: النهاية في غريب الحديث (١/ ٢٤٧).
(٤) هو: أبو القاسم الحسين بن محمد بن مفضل الراغب الأصفهاني، كان من حكماء الإسلام له تصانيف كثيرة منها: غرة التنزيل ودرة التأويل، وكتاب الذريعة، توفي سنة (٤٠٢ هـ) على الراجح.
ينظر: تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي (ص ١١٢ - ١١٣).
(٥) النهاية (١/ ٢٤٨).
(٦) والمجادلة بوجه عام تنقسم إلى قسمين:
محمودة: وهي ما كانت لإثبات الحق أو دفع الباطل، أو للتعليم والاستيضاح فيما يشكل من المسائل، وهذا مأمور به إما وجوباً أو استحباباً بحسب الحال لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل: ١٢٥.

مذمومة: وهي ما كانت لرد الحق أو لنصرة الباطل، أو كانت فيما نهى الله ورسوله عن الجدال فيه كالمجادلة في المتشابه، وفي الحق بعد ما تبين أو كانت لحظ النفس، كإظهار الفطنة والذكاء والعلم، مراءاة للناس، والتعصب للرأي، أو لا يمكن التوصل إلى الحق فيها لقصور العلم البشري عن إدراكه فالمجادلة فيها مذمومة، فهذا قبيح منهي عنه لقوله تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٥)} غافر: ٥.
ينظر: شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين (ص ١١٢)، الرد على المخالف لبكر أبو زيد (ص ٤٨)، موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع (٢/ ٦٠٨).

<<  <   >  >>