للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية الثانية:

قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١)} الأنعام: ٩١، هذه الآية تردُ على بدعتين متقابلتين، وبيان ذلك فيما يلي:

- أولاً: بيان وجه رد الآية على بدعة التفريط.

في قوله تعال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: ٩١، رد على من جحد وأنكر إنزال الله للكتب، ذلك أن إنكارهم فيه طعن للخالق سبحانه؛ إذ يلزم منه أن الرسل كذبوا، وافتروا على الله، كما أن في هذه الآية إلزاماً لهم بما يعتقدونه من إنزال الله تعالى للتوراة، فقال على سبيل المحاجة: إن كان الله تعالى لم ينزل على بشر شيئاً، فمن الذي أنزل التوراة التي جاء بها موسى؟ ! ولا شك أن الجواب هو: أنزلها الله، وهو جواب القرآن حيث قال تعالى في ختام الآية: {قُلِ اللَّهُ} الأنعام: ٩١، جوابا لقوله: {مَنْ أَنْزَلَ} الأنعام: ٩١، واسم الله مرفوع بفعل مضمر تقديره: أنزله الله، أو مرفوع بالابتداء (١).

قال - سبحانه وتعالى - بعد هذه الآية: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)} الأنعام: ٢١، ليقرر سبحانه أن أعظم الكذب أن ينفي أهل الكتاب: نزول كتاب من الله تعالى على البشر! .

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن فيها رداً على بطلان مذهب من انتهج الغلو في الإثبات على غير هدى، وسلك طريق المبالغة في إعجاز القرآن لدلاله على إثبات كتب الله المنزلة (٢)، وأنَّ المتكلم عن الحقيقة الكونية المخبر بها هو خالقها؛ وذلك بتحميل الآيات ما لا تحتمل من أوجه المجاز


(١) ينظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير الطبري (٢/ ١٦).
(٢) هذا النوع من الإعجاز العلمي الذي يدخل فيما يسمى بالإعجاز الغيبي، ليس مما يختص به القرآن وحده، بل هو موجود في كل كتب الله السابقة؛ لأنَّ الإخبار في هذه الكتب عن الحقائق الكونية لا يمكن أن يختلف البتة، وعدم وجود ما يطابق علم القرآن في كتبهم التي بين يديهم إنما هو لتحريفهم لها.
ينظر: نقد ما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن، للدكتور مساعد الطيار، ملتقى أهل التفسير.

<<  <   >  >>