للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على القرية، كافية في دفع كل ما وقعوا فيه، لكن إذا غاب الإيمان بالغيب، ظهر مثل هذا التخبط.

قال ابن القيم - رحمه الله -: " وأما اليوم الآخر فإن جمهورهم -أي: المتكلمين- بنوه على إثبات الجوهر الفرد، وقالوا: لا يتأتى التصديق بالمعاد إلا بإثباته، وهو في الحقيقة باطل، لا أصل له، والمثبتون له يعترفون بأن القول به في غاية الإشكال، وأدلته متعارضة، وكثير منهم له قولان في إثباته ونفيه، وسلكوا في تقرير المعاد ما خالفوا فيه جمهور العقلاء ولم يرافقوا ما جاءت به الأنبياء، فقالوا: إن الله سبحانه يعدم أجزاء العالم كلها حتى تصير عدماً محضاً، ثم يعيد المعدوم ويقلبه وجوداً، حتى إنه يعيد زمنه بعينه وينشؤه لا من مادة، كما قالوا في البداء، فجنوا على العقل والشرع، وأغروا أعداء الشرع به، وحالوا بينهم وبين تصديق الرسل" (١).

فمن آمن وصدق بكلام الله تعالى وبقدرته التامة الشاملة، فإنه سينشرح صدره لكل ما استشكله كثير من الفلاسفة وغيرهم، وهنا تكون مواضع الإيمان وحقائق اليقين، ويمتاز أهل الإيمان عن أهل الريب والنفاق، لذا فإن منهج السلف هو القاضي بترك الخوض فيما ثبت بالنصوص القطعية وعُلم من الدين بالضرورة وإن كانت بعض العقول قد تحار فيه لكنها لا تحيله، كذا تجنب القول على الله بلا علم، وقياس قدرته تعالى على قدرات الممكنات من المخلوقات.

- سابعاً: التأثر بالطريقة الباطنية:

يظهر الانحراف جلياً في باب الإيمان باليوم الآخر ممن مال إلى الطرق الباطنية؛ لأنهم انحرفوا في قبول الدليل النصي من الكتاب والسنة المتفق على قدره الكلي بين جمهور الطوائف.

والمائلون إلى الطرق الباطنية هم أحد صنفين: إما من الشيعة، وإما من الصوفية، فإن غلاة الشيعة باطنية، كما أن غلاة الصوفية باطنية كذلك (٢).


(١) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (٣/ ٩٧٨ - ٩٨٨)، وينظر: لوامع الأنوار (٢/ ١٥٩ - ١٦٠).
(٢) نفذت أقوال الباطنية بين بعض سواد المسلمين، بسبب أنهم انتحلوا أحد وجهين:

إما أنهم انتحلوا التشيع لآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعظموا آل البيت، وإما أنهم انتحلوا التنسك والعبادة والميل إلى تحقيق النسك وما إلى ذلك بأنواع من التصوف. وإن كان يعلم أنه ليس جميع الشيعة باطنية، كما أنه ليس جميع الصوفية باطنية، بل فيهم وفيهم، ولكن الباطنية دخلوا على سواد المسلمين بأحد هذين الوجهين.
ينظر: شرح الواسطية، للشيخ يوسف الغفيص، دروس صوتية مفرغة على المكتبة الشاملة.

<<  <   >  >>