للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمعين لا بد لها من توافر شروط وانتفاء موانع في حقه؛ فالوعيد سبب مقتض للعذاب، والسبب يتوقف تأثره على وجود شرطه وانتفاء مانعه (١).

- ثالثاً: بسبب جور الحكام وظهور المنكرات:

هكذا كانت الوعيدية، تردد في خطبها ومقالاتها: أن الحكام ظلمة والمنكرات فاشية، وأنهم إنما خرجوا لهذا السبب حتى يقيموا العدل ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويعودوا بالناس إلى ربهم وإلى دينهم. ولقد كان هذا المعنى من أول المعاني التي تستعلن بها الوعيدية في تحريك عامتهم للخروج وحمل السلاح لتحقيق تلك الغاية، وليس الجور هو أصل النشأة، وإن كان مما يعزز الفكرة ويسوغها؛ لكنهم يتعللون بمثل هذا السبب في خروجهم؛ لأنهم سلبوا الحكام الإيمان فجعلوهم مرتدين عن الدين، كما أن لهم نظرة خاصة في الإمام معقدة وشديدة، بل إن الحكام القائمين في نظرهم لا يستحقون الخلافة، لعدم توافر شروط الخوارج القاسية فيهم.

حينها رأوا أن قتالهم والخروج عليهم -بزعمهم- قربة إلى الله - عز وجل -، وأن الأئمة ابتداءً بالإمام علي -مع عدله وفضله- ثم بحكام الأمويين والعباسيين ومن بعدهم، كلهم ظلمة في نظرهم دون تحر أو تحقيق، وهذا -أي ظلم الحكام- عندهم كفرٌ مُخرج من الملة، فاستحلوا دماء مخالفيهم حكاماً ومحكومين، والواقع أنهم حينما خرجوا فعلوا أضعاف ما كان موجوداً من المظالم والمنكرات (٢).


(١) ينظر: مجموع الفتاوى (١٢/ ٤٨٣).
(٢) ينظر: الفرق بين الفرق (ص ٧٨)، وتاريخ الطبري (٥/ ١٧٤)، والكامل لابن الأثير (٣/ ٣٤٣)، وفرق معاصرة تنسب إلى الإسلام (١/ ٢٣٩)، والخوارج تاريخها وآراؤها الاعتقادية وموقف الإسلام منها، د. غالب عواجي (ص ١٠٦).

<<  <   >  >>