للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: الانحراف المؤدي إلى الإفراط (١) في توحيد الألوهية.

الانحراف المؤدي إلى الإفراط في توحيد الألوهية إنما يأتي من أحد طريقين أو هما معاً:

- الطريق الأول: البدع:

لاشك أن البدع والمحدثات في الدين سبب من أسباب الإفراط في توحيد الألوهية، والخروج به عن حقيقته التي أرادها الله، من أجل ذلك حذرنا -سبحانه وتعالى- فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)} النور: ٦٣، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)) (٢)، أي: مردود على صاحبه، ومن هذا المنطلق فإن البدع من حيث تعلقها تنقسم إلى نوعين: "نوع في الأقوال والاعتقادات، ونوع في الأفعال والعبادات، وهذا الثاني يتضمن الأول كما أن الأول يدعو إلى الثاني.

فالمنتسبون إلى العلم والنظر وما يتبع ذلك يخاف عليهم إذا لم يعتصموا بالكتاب والسنة من القسم الأول، والمنتسبون إلى العبادة والنظر والإرادة وما يتبع ذلك يخاف عليهم إذا لم يعتصموا بالكتاب والسنة من القسم الثاني" (٣).

وكما أن البدع تتنوع من حيث متعلقها، فإنها كذلك تنوع من حيث الحكم إلى نوعين: بدع مكفرة، وبدع غير مكفرة، وكل نوع يندرج تحته أنواع تختلف في عظمها وقبح فعلها، وبين صغرها بالنسبة إلى ما هو أكبر منها -والمقام يقصر عن بسطها (٤)؛ لأن الغرض هنا بيان أن البدع سبب من أسباب الإفراط في توحيد الألوهية-، وإلا فكلها بدع محرمة عظيمة؛ لأن فيها تشريع مالم يشرعه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الشورى: ٢١، كما أن فيها اتهاماً لله


(١) المراد بالإفراط هنا: هو الزيادة فوق الحد المشروع من العبادة، بلا نص شرعي.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحة كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (١٧١٨).
(٣) مجموع الفتاوى (٢٢/ ٣٠٧ - ٣٠٨).
(٤) ينظر: كتب السنة، والاعتصام للشاطبي، والبدع والنهي عنها لابن وضاح القرطبي، والحوادث والبدع للطرطوشي، والبدعة وأحكامها للغامدي وغيرها كثير.

<<  <   >  >>