للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المعلم الأول: الخلل في منهج التلقي والاستدلال]

منهج الاستدلال عند أصحاب البدع المتقابلة، يعتمد على مصادر مغايرة لمصادر الشريعة الإسلامية كالعقول المجردة الفاسدة والمنطق والفلسفات الكلامية العقيمة، فيؤدي ذلك إلى تحريف الأدلة وتأويلها وإلى الاستدلال بالمتشابه من الأدلة دون ردها إلى المحكم، مع قياس عالم الغيب على عالم الشهادة، والتعلق بالآراء المجملة، فيخالفون بذلك الرسل -عليهم الصلاة والسلام- (١)،

ومن ثم لا يتلقون العلم الشرعي عن العلماء الربانيين؛ لذلك أصبح العلم عندهم ليس مبنيا على الأصول الشرعية (٢)، وإلا فكيف يضربون صفحاً عن الآيات المحكمات، ويعتمدون على النصوص المتشابهات (٣)، ولا يردونها إلى المحكم، فالنص يدور في فلك معين وهم في فلك آخر مغاير له، وكذا ما يقع من المدرسة العقلية الحديثة (٤) من استقلالية بالأخذ عن الكتاب والسنة بدون ضابط حتى ظهرت العبارة المشهورة


(١) قال ابن القيم رحمه الله: "ومن الأدب معه - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ألاَّ يستشكل قوله، بل تُستشكَل الآراء لقوله، ولا يُعارَض نصه بقياس، بل تُهدَر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يُحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولاً، نعم! هو مجهول، وعن الصواب معزول، ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد. فكان هذا من قلة الأدب معه - صلى الله عليه وسلم -، بل هو عين الجرأة".

ينظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (٢/ ٣٦٨).
(٢) بل على العقل عند المعتزلة، أما عند الصوفية فعلى الذوق واتباع الأشخاص. وغير ذلك.
(٣) قال الآجُرّي: ومما يتَّبع الحرورية من المتشابه، قول الله عز وجل: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فإذا
رأوا الإمام يحكم بغير الحق، قالوا قد كفر، ومن كفر عدل بربه، فقد أشرك، فهؤلاء الأئمة مشركون، فيخرجون فيفعلون
ما رأيت، لأنهم يتأولون هذه الآية.
ينظر: الشريعة للآجري (ص ٢٨).
(٤) هي اتجاه فكري إسلامي -في الجملة- يسعى إلى التوفيق بين نصوص الشرع وبين الحضارة الغربية والفكر الغربي المعاصر، ويؤكد التلاقي بين العلم والدين، متبنياً منهجاً عقلانياً، يعلى من مكانة العقل في مقابل النص الشرعي، ويؤول النص إن أمكنه، أو يرده إن لم يمكنه ذلك.
ينظر: منهج المدرسة العقلية في التفسير، لفهد الرومي (ص ٦٩)، موقف الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر من النص الشرعي، لسعد بن بجاد العتيبي (ص ٤٨).

<<  <   >  >>