للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- خامساً: الاحتجاج بالقدر:

الخائضون في القدر بالباطل ثلاثة أصناف: المكذبون به (كالمعتزلة)، والدافعون للأمر والنهي به (كالجهمية والجبرية)، والطاعنون على الرب - عز وجل - بجمعه بين الأمر والقدر (كالإبليسية)، وهؤلاء شر الطوائف (١).

وقد ظهرت المرجئة بعدهم بزمن قريب (٢)، واشتركت معهم في إضعاف أمر الله، وأمر الإيمان، والوعد والوعيد، بل إن غالية المرجئة هم ممن ينكرون العقاب بالكلية، أو ينكرون الوعيد في الآخرة رأساً، كما يفعله طوائف من الاتحادية والمتفلسفة والقرامطة والباطنية من الجبرية المرجئة (٣).

والمرجئ الذي أخرج العمل من حقيقة الإيمان، يرى أن التصديق القلبي يكفي في الإيمان، ولو فعل ما فعل من الكفر والإلحاد والمعاصي، ما دام أنه لم يصدر عن تكذيب فليس بكفر (٤)؛ من أجل ذلك نجد أن غلاة المرجئة يجعلون كل الأفعال طاعات، فيقولون: إن خالفنا الأمر فقد وافقنا القضاء والقدر، أي: خالفنا أمرَه وأطعنا قدرَه ومشيئته، ولا فرق عند المرجئة بين القضاء والقدر وبين الشرع فهما شيء واحد من أطاع أحدهما فقد أطاع الله -تعالى الله عما يقولون- (٥).


(١) ينظر: منهاج السنة (٣/ ٨٢).
(٢) ظهر الإرجاء في أواخر عصر الصحابة، في الوقت الذي ظهر القول بالقدر، وبهذا ظهرت أصول الفرق الضلالة الأربع وهي: "الشيعة، والخوارج، والمرجئة، والقدرية"، وقد تزامنت نزعة الإرجاء مع مسائل الإيمان، بينما كانت نزعة القدر متزامنة مع مسائل القضاء والقدر، إلا أن هاتين النزعتين توزعتا على بعض الفرق الإسلامية، بحيث كان الغالب على المعتزلة القول بالقدر في مسائل القضاء والقدر، أما في مسائل الإيمان فغلب عليهم قول الخوارج، وإن كانوا يختلفون عنهم في بعض التفصيلات، أما الأشاعرة فغلب عليهم القول بالجبر، والذي هو على النقيض من القول بالقدر، وغلب عليهم في مسائل الإيمان القول بالإرجاء، والذي هو على النقيض من نزعة الوعيدية التي عليها الخوارج والمعتزلة.

ينظر: درء التعارض (٥/ ٢٢٤ - ٣٠٢)، ومنهاج السنة (٣/ ١٨٤)، ومجموع الفتاوى (١٣/ ٢٧).
(٣) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وغالية المرجئة أنكرت عقاب أحد من أهل القبلة". مجموع الفتاوي (١٢/ ٢٤٢)، وقال أيضا: غالية المرجئة -يقولون -: "إن الوعيد الذي جاءت به الكتب الإلهية إنما هو تخويف للناس لتنزجر عما نهيت عنه من غير أن يكون له حقيقة، بمنزلة ما يخوف العقلاء الصبيان والبُلْهَ بما لا حقيقة له لتأديبهم، وبمنزلة مخادعة المحارب لعدوه إذا أوهمه أمرًا يخافه لينزجر عنه، أو ليتمكن هو من عدوه، وغير ذلك". مجموع الفتاوي (١٩/ ١٥٠).
(٤) فالكفر عندهم هو التكذيب بالقلب فقط، لأن الإيمان عندهم مرادف للتصديق فقط. ينظر: مجموع الفتاوى (٧/ ٥٤٣) وما بعدها.
(٥) ينظر: التعليق المختصر على القصيد النونية، د. صالح الفوزان (٢/ ٦٣٩ - ٦٤٥).

<<  <   >  >>