للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيان أنه فاطر السموات والأرض؛ فلأن ما سوى الواحد ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يقع موجوداً إلا بإيجاد غيره، فنتج أن ما سوى الله فهو حاصل بإيجاده وتكوينه. فثبت أنه سبحانه هو الفاطر وحده لكل ما سواه من الموجودات (١).

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: محاولة الوصول إلى فهم الذات الإلهية وتصورها بعقولهم البشرية المحدودة، متجاوزين قوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)} طه: ١١٠، وجماع شبهتهم التي كانت الأصل والمستند في مخالفتهم انبنت على أحد أصلين:

١ - دعوى استنادهم لضرورة إثبات وجود الله بالقضايا التركيبية (٢)،

واعتبارهم التجربة الأساس الوحيد للحكم الصحيح؛ ولأن الله لم يثبت عندهم بهذه القضايا التركيبية، انبنى قولهم بامتناع إثبات وجود الله - عز وجل -، لذلك لم يستطع الفكر الإلحادي أن يقدم للإنسان شيئا عن الله وعن علاقته به على ضوء ما التزموه من قواعد. وإنكارهم لوجود الله ظاهراً فقط، مع إيمانه بخلاف ذلك في قرارة قلوبهم {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}؛ لأن وجود الله أمر بديهي لا يحتاج إلى إثبات، ولهذا لا نرى القرآن يكثر من إقامة البراهين الجدلية في هذا الموضوع، ولكنه يشير إلى ذلك بأدلة كافية مقنعة ملزمة. وليس مؤداهم استحالة خلق الله للعالم، بل استحالة وصول النفس البشرية -بما قعدته من علوم أولية


(١) ينظر: مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، تفسير الرازي (١٢/ ٤٩٢).
(٢) القضايا التركيبية تقوم على التجربة والمشاهدة، ولذلك حددوا طاقة الفكر البشري بحدود الميدان التجريبي، فأصبح من العبث؛ لأنه تضييق لمدارك المعرفة، وأدخلوا ذلك في كلّ بحث يتعلق بالغيبيات، فحاروا واضطربوا ولم يستقر لهم قرار. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: فأمور الغيب التي تتوقف على أخبار الرسل ووحي الله وهدايته العامة والخاصة أبطلها هؤلاء الملاحدة إذ ضيقوا دائرة المعلومات جدا في مدركات حواسهم، فلهذا حاروا واضطربوا ولم يستقر لهم قرار على أقوال تتفق عليها آرائهم لأنهم أنكروا العلم الحقيقي النافع الذي يربي النفوس ويسعدها ويرقيها في مدارج الكمال.

ينظر: الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين، للسعدي (٣ - ٤ - ١٧ - ١٨)، وتاريخ الفكر الديني الجاهلي، لمحمد إبراهيم الفيومي (ص ٣٢١).

<<  <   >  >>