للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: الانحراف المؤدي إلى التفريط في مسائل الإيمان.]

يعتبر الإرجاء من أخطر الانحرافات العقدية المؤثرة في حياة المسلمين، فمسألة الإيمان أهم مسألةٍ عقدية؛ لأنها أصل الدين وأساسه، وهي المعيار في معرفة المؤمن من الكافر، والموحّد من المشرك، فالانحراف فيها لا بد أن يكون له آثار عظيمة في المجتمع الإسلامي (١).

لذلك ذم السلف الصالح الإرجاء ذماً شديداً، ومن ذلك قول الزهري (٢): " ما ابتُدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء" (٣)، وقال شريك القاضي (٤)

فيهم: " هم أخبث قوم"، وقال قتادة (٥): "ليس من الأهواء شيء أخوف على الأمة من الإرجاء" (٦).

وقد صدقوا في ذلك فإن آثار الإرجاء فاقت آثار سائر البدع الاعتقادية والعملية الأخرى، كما أن عقيدة المرجئة لم تكن على الإطلاق ثمرة نظر في النصوص الشرعية ولا وليدة اجتهاد عقلي سوي، وإنما هي وليدة مواقف انفعالية جدلية أفرزتها المعارك الكلامية الطاحنة بين الفرق البدعية (٧)، لذا فالمرجئة من الفرق الضالة التي فرطت في حق الله - عز وجل -، وذلك بعدم طاعته وعدم القيام بأحكامه وشريعته سبحانه وتعالى، وذلك عن طريق إخراج العمل عن مسمى الإيمان.

إذ لا يكفي المسلم مجرد إعلانه باللسان أنه مؤمن، فما أكثر المنافقين الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)


(١) ينظر: حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها، د. عبد الرحيم السلمي (ص ٣٣٢).
(٢) هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله، أبو بكر القرشي الزهري المدني، فقيه حافظ متقن، توفي سنة ١٢٥ هـ.
ينظر: وفيات الأعيان (٤/ ١٧٧)، وسير أعلام النبلاء (٥/ ٣٢٦)، وتهذيب التهذيب (٩/ ٤٤٥).
(٣) ينظر: مقالات الإسلاميين (١/ ٢٢١).
(٤) هو: شريك بن عبد الله النخعي، أبو عبد الله الحافظ القاضي، أحد الأعلام، ولي قضاء الكوفة، وكان فيه تشيع خفيف، وكان عادلاً فاضلاً شديداً على أهل البدع، ولد سنة ٩٥، وتوفي بالكوفة سنة ١٧٧ هـ.

يظر: تاريخ بغداد (٩/ ٢٧٩)، وسير أعلام النبلاء (٨/ ١٧٨ - ١٩٢)، وتقريب التهذيب (١/ ٣٥١).
(٥) هو: قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري الضرير، كان حافظ العصر وقدوة المفسرين والمحدثين ولد سنة (٦٠ هـ) وتوفي سنة (١١٨ هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (٥/ ٢٧٧)، ذكرها اللالكائي في السنة (٤/ ٦٩٩).
(٦) الإيمان لابن تيمية (ص ٢٦٧).
(٧) وأخيرا - بعد استقرار النظرية - يبحثون لها عن مستند من النصوص يتعسفونها تعسفا. بل وصل الأمر بهم إلى أن يضعوا الأحاديث في فضل الإرجاء وأهله وذم المخالفين لهم، ومن أشهر واضعيهم: الجويباري. ينظر: المجروحين لابن حبان (١/ ١٤٢)، درء تعارض العقل والنقل (٧/ ٩٢)، وظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي (١/ ١٢٨).

<<  <   >  >>