للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل مع ضلالهم هذا نظروا إلى جانب واحد من الأدلة وهو نصوص الوعيد، وأغفلوا نصوص الوعد، فحادوا عن الوسطية والاعتدال إلى الغلو والإفراط. فأعملوا نصوص الوعيد وأهملوا نصوص الوعد، فجعلوا ما توعد الله به سبحانه وتعالى المخالفين لأمره وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - نافذا لا محالة، سواء كان ذلك في حصول العذاب، أو الحرمان من الثواب، أو الخلود في النار، أو الخروج من الدين، ونتج عن هذا (١):

١ - التكفير بالمعاصي (الكبائر)، وإلحاق أهلها (المسلمين) بالكفار في الأحكام والدار والمعاملة والبراء منهم وامتحانهم، واستحلال دمائهم (٢).

٢ - الخروج على أئمة المسلمين اعتقاداً وعملاً -غالباً-، أو أحدهما أحياناً.

٣ - صرف نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى منازعة الأئمة والخروج عليهم، وقتال المخالفين.

٤ - التشدد والتنطع في الدين كما وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تحقرون صلاتكم عند صلاتهم ... )) (٣)، فتظهر سيما الصالحين عليهم، وكثرة العبادة كالصلاة والصيام، وأثر السجود، وتشمير الثياب، ويكثر فيهم أيضاً الورع (علي غير فقه)، والصدق والزهد.

٥ - الغرور والتعالم والتعالي على العلماء، حتى زعموا أنهم أعلم من علي وابن عباس وسائر الصحابة، والتفّوا على الأحداث الصغار والجهلة قليلي العلم من رؤوسهم.

والتحقيق أن الكتاب والسنة مشتمل على نصوص الوعد والوعيد، كما أنه مشتمل على نصوص الأمر والنهي، وكل من النصوص يفسر الآخر ويبينه، وإلحاق هذه الأحكام


(١) ينظر: الخوارج، للعقل (ص ٣١ - ٣٣).
(٢) العجيب أنهم متناقضون يكفرون بالذنب الواحد ويقومون بعشرات الذنوب من القتل والنهب والسرقة وهتك الأعراض والحرمات وأكل أموال اليتامى بعد قتل آبائهم وغير ذلك كثير. ينظر: تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة (١/ ٢٤٨).
(٣) صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، برقم (٦٩٣١)، ومسلم في كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم (١٠٦٤).

<<  <   >  >>