للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باتساع قدرة الله سبحانه وعجائب تدبيره، فينكر من أفعال الله تعالى ما لم يأنس به ويألفه، وذلك جهل وقصور" (١)، وهذا مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة (٢).

كما أن القياس الفاسد لا ينضبط؛ لأن الأصل في باب اليوم الآخر أنه من الغيب، والغيب لا يقال فيه بالظن.

ولأجل مخالفة الضالين -من طوائف الجهمية، والمعتزلة، والفلاسفة، وأهل الكلام، وبعض فقهاء السنة (٣) - إما في كل المسألة أو في بعضها، صارت من مسائل العقائد التي يُعلن أهل السنة الإيمان بها وتقرير ما دلت عليه (٤)، والأدلة التي دلت على هذا الأصل من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كثيرة (٥).

لذا فإننا نجد أن السلف في باب اليوم الآخر لا يذكرون فيه إلا أقوالاً كأنها هي نفس الحروف المكتوبة في القرآن، بمعنى أن القول المأثور عن السلف يكان أن يكون نفس النص النبوي، أو جزءاً منه، أو جزءاً من النص القرآني، وهذا يدل على أن باب اليوم الآخر يؤخذ بطريقة المطابقة، وإن تضمنت هذه الطريقة التي أشير إليها عدم الإجابة على كثير من الأسئلة التي ترد؛ فما دام النص ليس صريحاً في هذا الخبر، فإن الأصل الوقف فيه؛ لأن باب اليوم الآخر الأصل فيه أنه غيب، والغيب لا يقال فيه بالظن؛ لأن هذا الظن ليس مما شرعه الله - عز وجل -؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - لم يشرع في الغيب ظناً، وكل الغيبيات التي أوجب الله ورسوله على العباد أن يؤمنوا بها هي غيبيات قطعية بينة (٦).


(١) إحياء علوم الدين (٤/ ٥٠٠ - ٥٠٢).
(٢) ينظر: الروح (ص ٢٤)، والإرشاد (ص ٢١٣).
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى (٥/ ٣١).
(٤) نجد أن أصل إيراد مسألة عذاب القبر ونعيمه في العقائد؛ لأن طائفة من الجهمية والفلاسفة وأهل الكلام ينكرون عذاب القبر، وينكرون السؤال والفتنة، مستدلين بأن الميت جماد لا حياة فيه، فلا يتصور تعذيبه، بل هو محال، وذلك لعدم إيمانهم بدلالة السنة والحديث على ذلك، وتأولهم لما جاء في القرآن مما يدل على عذاب القبر.
كما أن الإيمان بالشفاعة يوم القيامة من عقيدة أهل السنة والجماعة، لأن الخوارج والمعتزلة أنكروها، فآمن أهل السنة بكل ما جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، من إثبات الشفاعة بجميع أنواعها، كشفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأهل الموقف، وشفاعته لأهل الكبائر من أمته، وهكذا الأنبياء يشفعون، وكذلك الشهداء والصالحون والملائكة الكرام ... وغير ذلك من مسائل العقائد التي يُعلن أهل السنة الإيمان بها.
ينظر: مقالات الإسلاميين (٢/ ١١٦)، عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني (ص ٢٥٨)، وشرح النووي على مسلم (٣/ ٣١ - ٣٤)، والسنة لابن أبي عاصم (٢/ ٣٨٥)، ومجموع الفتاوى (٣/ ١٤٧)، ومعارج القبول (٢/ ٨٨٦).
(٥) ينظر: الروح لاين القيم (ص ٤٨)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (٢/ ٦٠٢) وما بعدها، شرح الطحاوية لصالح آل الشيخ (٢/ ٢٠٤).
(٦) ينظر: شرح الواسطية، للشيخ يوسف الغفيص، دروس صوتية مفرغة على المكتبة الشاملة.

<<  <   >  >>