للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأدلة السمعية، والقياس في الأدلة العقلية، وهو كما قال، والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة" (١).

ووجه خطئهم من جهة التأويل تلاعبهم بالنصوص، وإساءة الظن بها، ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال، وليس لهم على ذلك حجة من كتاب ولا سنة، بل العمدة عندهم نحاتة الأفكار، وزبالة الأذهان.

ووجه خطئهم من جهة القياس (٢) أنهم أتوا بألفاظ مجملة ليست في الكتاب ولا في السنة مثل متحيز ومحدود، وجسم ومركب، ونحو ذلك وجعلوا منها مقدمات مسلما بها عندهم ومدلولا عليها بنوع قياس، وذلك القياس أوقعهم فيه مسلك سلكوه في إثبات حدوث العالم بحدوث الأعراض؟ أو إثبات إمكان الجسم بالتركيب من الأجزاء، فوجب طرد الدليل بالحدوث والإمكان لكل ما شمله هذا الدليل (٣).

وقد ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله - خطر قياس الخالق سبحانه على المخلوق في الشفاعة وغيرها قال: "وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام، واتخذ المشركون من دون الله الشفيع والوليّ" (٤). وإنما يستجيز القول بالباطل والقياس الفاسد من أعماه التقليد لأهل البدع وأصمه، قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)} الحج: ٤٦.

من أجل هذا بنى الدهريون والمشركون ومعطلة الصفات وسائر أهل الضلال، مذاهبهم على القياس الفاسد (٥)، فضلوا عن سواء السبيل، وما أنكروا ما أنكروه؛ إلا لجهلهم به، وكونه لا تدركه عقولهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالغيب.


(١) التدمرية (ص ١٠٧).
(٢) إلا أنه يستعمل في حق الله -سبحانه وتعالى- قياس الأولى، وهو المثل الأعلى، الذي وصف الله به نفسه كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} النحل: ٦٠، وحقيقته: أن كل كمال ثبت وليس فيه نقص بوجه من الوجوه فالله أولى به، لأن معطي الكمال أولى به مع التفاوت بين تلك الكمالات. ينظر: الرد على المنطقيين (ص ١٥٤)، شرح الطحاوية (١/ ٨٧)، الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه، لمحمد أمان الجامي (ص ١١٧).
(٣) التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية، لفالح الدوسري (١/ ٢١٧).
(٤) إغاثة اللهفان (١/ ٢٢١).
(٥) "فما أنكرت الجهمية صفات الرب وأفعاله وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه وكلامه وتكليمه لعباده ورؤيته في الدار الآخرة إلا من القياس الفاسد، وما أنكرت القدرية عموم قدرته ومشيئته وجعلت في ملكه ما لا يشاء وأنه يشاء ما لا يكون إلا بالقياس الفاسد، وما ضلت الرافضة وعادوا خيار الخلق وكفروا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وسبوهم إلا بالقياس الفاسد، وما أنكرت الزنادقة والدهرية معاد الأجسام وانشقاق السماوات وطي الدنيا وقالت بقدم العالم إلا بالقياس الفاسد، وما فسد ما فسد من أمر العالم وخرب ما خرب منه إلا بالقياس الفاسد، وأول ذنب عصي الله به القياس الفاسد، وهو الذي جر على آدم وذريته من صاحب هذا القياس ما جر، فأصل شر الدنيا والآخرة جميعه من هذا القياس الفاسد، وهذه الحكمة لا يدريها إلا من له اطلاع على الواجب والواقع وله فقه في الشرع والقدر". إعلام الموقعين عن رب العالمين (٢/ ٧).

<<  <   >  >>