للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك هم وسط بين دعاة الفلسفة الفردية «الليبرالية» التي تعطي الفرد وتضخمه على حساب المجتمع؛ ودعاة الفلسفة الجماعية «الماركسية» التي تعطي المجتمع وتضخمه على حساب الفرد.

وهم وسط بين دعاة الثبات، ولو في الوسائل والآلات؛ ودعاة التطور، ولو في المبادئ والغايات.

ووسط بين دعاة التجديد، وإن كان في أصول الدين وقطعياته؛ ودعاة التقليد وخصوم الاجتهاد، وإن كان في قضايا العصر التي لم تخطر ببال السابقين.

ووسط بين دعاة الغلو في التكفير، حتى كفروا كل المسلمين المتدينين؛ وبين المتساهلين فيه، ولو مع صرحاء المرتدين.

ووسط بين من نفى الشفاعة مطلقاً، كما نفتها الخوارج والمعتزلة؛ وبين من غلا في إثباتها، كما فعل القبوريون والخرافيون.

ووسط بين أتباع التصوف وإن انحرف وابتدع؛ وأعداء التصوف، وإن التزم واتبع (١).

وسط بين دعاة الانفتاح على العالم بلا ضوابط، ودعاة الانغلاق على النفس بلا مبرر.

وسط بين المقدسين للتراث، وإن بدا فيه قصور البشر؛ والملغين للتراث، وإن تجلت فيه روائع الهداية.

وسط بين المستعجلين لقطف الثمرة قبل أوانها؛ والغافلين عنها، حتى تسقط في أيدي غيرهم بعد نضجها (٢).


(١) يقول ابن تيمية رحمه الله: لفظ التصوف قد أُدخل فيه أمور يحبها الله ورسوله، فتلك يؤمر بها، وإن سُميت تصوفاً؛ لأن الكتاب والسنة إذا دلّ على استحبابها لم يخرج عن ذلك بأن تسمى باسم آخر.
وقد أُدخل في التصوف أمور يكرهها الله ورسوله، كما يُدخِل فيه بعضهم نوعاً من الحلول والاتحاد، وآخرون نوعاً من الرهبانية المبتدعة في الإسلام.
والمؤمن الكيّس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة، وأطاعوا فيه الله ورسوله ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة أو عصوا فيه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. ينظر: الفتاوى (١١/ ٢٨، ٢٩).
(٢) وطلب النتائج قبل وقتها قد يكون سببه الاستعجال، أو الجهل، أو السَّفَه وعدم الرشد، أو غير ذلك. والغفلة عن الثمرة من أمثلته المعاصرة: أبناء المسلمين الذين يبتعثون لبلاد الكفر يغفل عن بعضهم حتى يقعوا إما في التحول الديني أو التلوث العقائدي.

<<  <   >  >>