للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الآية هي حقيقة الصلة بين الله - عز وجل - وبين الثقلين من خلقه، فهي تأتي بعد مرتبتي الفطرة والميثاق، فبعد أن فطر الله الخلق أول الأمر على الإسلام (١)، ثم أخذ عليهم الميثاق على مقتضى الفطرة التي فطرهم عليها (٢)، ها هو - عز وجل - يعلن الصلة بينه وبين خلقه وأنها هي الغاية من وجودهم، وهذا هو موضوع جميع رسالات الأنبياء والرسل -عليهم السلام- (٣).

وفي هذه الآية سر الأمر كله وعلته وحجته، وعليها مدار الأمر كله، قال ابن تيمية - رحمه الله - بعد أن استعرض ما أورده الله في مجمل سورة الذاريات: " فهذا كله يتضمن أمر الإنس والجن بعبادته وطاعته وطاعة رسله واستحقاق من يفعل العقوبة في الدنيا والآخرة، فإذا قال بعد ذلك: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)} الذاريات: ٥٦ - ٥٧، كان هذا مناسباً لما تقدم مؤتلفاً معه: أي هؤلاء الذين أمرتهم إنما خلقتهم لعبادتي ما أريد منهم غير ذلك، لا رزقاً ولا طعاماً" (٤).


(١) قال - عز وجل - في الحديث القدسي: ((إني خلقت عبادي حنفاء))، أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار برقم (٢٨٦٥).
(٢) قال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢)} الأعراف: ١٧٢.
(٣) ينظر: دراسة لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}، أ. د. محمد عبد الرحمن أبو سيف الجهني (ص ٢)، مجلة البحوث الإسلامية عدد (٩١).
(٤) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٢ - ٤٣).

<<  <   >  >>