للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسنة تستطيع محوه إلا حسنة التوحيد؛ وأما بقية الذنوب والمعاصي فقد تنوعت الحسنات والطرق التي تزيل لحوق الوعيد بمرتكبها؛ فضلاً من الله وتكرماً. فكانت هذه الآية رادة على كلا البدعتين.

٣ - قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)} البقرة: ١١٢، في هذه الآية رد على المرجئة الذين لا يشترطون النية الخالصة للعمل -لازم قولهم-؛ لأنهم يعتقدون أنه لا تأثير لفعلهم الصالح والسيئ على الإيمان، فالأعمال خارجة عن الإيمان -بزعمهم-، فردت عليهم هذه الآية: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} -فالوجه رمز على الكل، ولفظ أسلم يعني الاستسلام والتسليم (١) - فدل هذا على وجوب إخلاص كل الأعمال -الظاهرة والباطنة- لله - عز وجل -، وفيها كذلك رد على الوعيدية الذين حسنت نيتهم ولم تصح أعمالهم ولم تقتد بالشرع {وَهُوَ مُحْسِنٌ} ... أي متابع لما جاء به الشرع لا مبتدع {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}، فكان لازم قبول العمل أن يكون خالصا صواباً وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة.

٤ - قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)} الأنفال: ٢، في هذه الآية ردٌّ على من منع تفاوت الإيمان، وتفاضله، ودخول الأعمال فيه، فذكر الأعمال الصالحة الظاهرة (٢) والباطنة (٣) وجعلها من الإيمان {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، دليل على أنه لم يثبت لهم حقيقة الإيمان إلا باجتماع خصال الخير من الأعمال الظاهرة والباطنة، والمرجئة يثبتون حقيقته بالتصديق وحده، كما أنه - عز وجل - قال بعد ذلك كله: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ} الأنفال: ٤، وقد أثبت لهم الإيمان بشرائطه وحقيقته، وهم لا يجعلون للمؤمن في إيمانه إلا درجة واحدة، ولا يجعلون للإيمان أجزاء (٤)، كما أن في هذا أيضاً رداً على الوعيدية الذين جعلوا الإيمان جزءاً واحداً يزول بزوال بعض أجزائه، فكان قوله تعالى: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ} دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة.


(١) ينظر: تفسير جامع البيان للطبري (٢/ ٥١٢)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٢/ ٧٥)، وتفسير القرآن العظيم (١/ ٣٨٥).
(٢) ذكر قبل (إنما المؤمنون) التقوى وإصلاح ذات البين، وغير ذلك من الأعمال.
(٣) ذكر في هذه الآية التوكل: وهو عمل باطن، وغير ذلك من الأعمال.
(٤) نكت القرآن الدالة على البيان، لمحمد على القصاب (١/ ٤٦١ - ٤٦٢).

<<  <   >  >>