للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيرهما (١)، أو أن كلام الله معنى قائم بالنفس (٢)، كما ظهر من يجعلون كلام الخالق هو عين كلام المخلوق (٣). وأما الفلاسفة فجعلوه فيضاً فاض على نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - من العقل الفعال أو غيره. وكلا القولين كفر وضلال.

من أجل ذلك فرط أهل البدع في الإيمان بالكتب، فعارضوا القرآن الكريم -المهيمن على الكتب السابقة- بالآراء والأذواق والعقول والأقيسة والمواجيد.

ومن عارض آيات الله المنزلة بما سبق من غير سلطان أتاه دخل في معنى قوله تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)} غافر: ٣٥، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)} غافر: ٥٦، وهذا مما يبين أنه لا يجوز معارضة كتاب الله إلا بكتاب الله، ولا يجوز معارضته بغير ذلك (٤).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " ومن المعلوم أن كل من عارض القرآن وجادل في ذلك بعقله ورأيه فهو داخل في ذلك؛ وإن لم يزعم تقديم كلامه على كلام الله ورسوله؛ بل إذا قال ما يوجب المرية والشك في كلام الله؛ فقد دخل في ذلك، فكيف بمن يزعم أن ما يقوله بعقله ورأيه مقدم على نصوص الكتاب والسنة" (٥).


(١) كالجهمية والمعتزلة: ومذهبهم أن كلام الله تعالى مخلوق؛ خلقه في غيره، وعلى هذا فالقرآن عندهم مخلوقٌ لم يكن ثم كان. ينظر: المختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار (ص ٥٢٨ - ٥٢٩)، ومقالات الإسلاميين (٢/ ٢٥٦).
(٢) كالكلابية والأشاعرة؛ لأن مذهبهم أن كلام الله معنى قائم بالنفس، ليس بحرف ولا صوت، ولا ينقسم، ولا يتجزأ، ولا يتبعض، ولا يتغاير، وأنه معنى واحد قائم بالله - عز وجل -، إن عُبِّر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عُبِّر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبِّر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، فهو عند الكلابية حكاية عن كلام الله تعالى، وعند الأشاعرة عبارة عن كلام الله، وعلى هذا فالقرآن عندهم ليس بكلام الله على الحقيقة، وهو مخلوق. ينظر: مقالات الإسلاميين (٢/ ٢٥٧، ٢٥٨)، ومجموع الفتاوى (١٢/ ١٦٥).
(٣) كما هو معتقد الحلولية والاتحادية: الذين يجعلون صفة الخالق هي عين صفة المخلوق، فقالوا: الذي نسمعه من القراء هو كلام الله، وإنما نسمع أصوات العباد، فأصوات العباد بالقرآن كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، فأصوات العباد بالقرآن غير مخلوقة، والحروف المسموعة منهم غير مخلوقة .. أما الجهمية ومن وافقهم فقد زعموا أن أصوات العباد ومدادهم مخلوقة، فيكون كلام الله - عز وجل - مخلوقاً.
ينظر: مجموع الفتاوى (١٢/ ٨٢).
(٤) ينظر: درء التعارض (٥/ ٢٠٨).
(٥) درء التعارض (٥/ ٢٠٦).

<<  <   >  >>