هذه الآية رداً على من فرط وأفرط، فادعى أنه أعظم تعظيما لها منهم، أو جفا فيها ولم يؤمن بها حق الإيمان.
١٢ - قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} الحجر: ٩، فيه رد على كل من سعى في التشكيك في كتاب الله - عز وجل - أو نفيه وإنكاره بأن عمله في تباب، لقوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)}، كما أن فيه رداً كذلك على من عظمه تعظيماً شركياً بأن فعله مخالف لمنطوق القرآن المحفوظ لقيام الساعة.
١٣ - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦)} النساء: ١٣٦، في هذه الآية الإخبار عن كتب الله المنزلة على رسله، وهذا الخبر وجب الإيمان به؛ لأنه خبر الرب سبحانه والجحود به كفر، فكانت رداً على المفرطين، كما أنها ترد على الغلاة عند قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا}، لتدلل على أن هذا الإيمان محدود بحدود شرعية ارتضاها الله فمن تجاوزها فقد {ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦)}.
١٤ - قال سبحانه: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)} آل عمران: ١٨٤، أي: جاءتهم الرسل بالكتب ولكنهم كذبوا بها، وإخباره سبحانه بأن تكذيب المكذبين وكفرهم إنما كان لجحودهم بالكتب، فمن جحد بالكتب كفر وخرج من الملة، فظهر ملازمة وجوب الإيمان بالكتب للإيمان، ليكون هذا ردا على المفرطين الذين لم يؤمنوا بها، أما رد الآية على الغلاة ففي قوله تعالى:{رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ}، للدلالة على أن الإيمان بالكتب له حد بينته رسل الله فمن تجاوزه فقد جانب الحق كما أن من فرط فيه فقد جاوز الحق كذلك.
وبهذا يتبين فساد قول كل من الغلاة والجفاة في الإيمان بالكتب، وأن الحق هو مذهب أهل السنة والجماعة.