للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لحاجتهم إليها، وإنما كان لبعث رسول الله إليهم من جنسهم (١)، ولم يقفوا عند هذا الحد، بل وصفوا بعض الخلق بالقداسة ورفعوهم فوق منزلة الأنبياء والرسل، فجعلوا هذه المنزلة تنال بالكسب لا بالاصطفاء.

والذي جلب لهم هذا الخلط والاضطراب، توهمهم: " استبعاد اختصاص الله تعالى بعض البشر بهذا التفضيل على سائرهم وهم متساوون في الصفات البشرية بزعمهم ... " (٢)، وقريباً من موقف العرب، يقف اليهود "الذين أنكروا أن يختص الله تعالى بهذه الرحمة والمنة من يشاء من عباده، وأوجبوا عليه أن يحصر النبوة في شعب إسرائيل وحده (٣) ... ووافقهم النصارى على حصر النبوة فيهم وأثبتوا قداسة غير الأنبياء من رسل المسيح وغيرهم من البابوات والعباد ... " (٤).

ونحى نحوهم الشيعة في تقديس أئمتهم (٥)، والصوفية في تقديس أوليائهم وتفضيلهم على الأنبياء (٦)، وادعى الفضيلية من الخوارج أنهم أفضل من الأنبياء، حيث أجازوا الكفر على الأنبياء، باعتبار تجويزهم للذنوب عليهم، وكل ذنب فإنه كفر عندهم، والأزارقة من الخوارج، أجازوا أن يبعث الله نبياً يعلم أنه يكفر بعد نبوته، حكي عن أبي جعفر السمناني (٧)

أنه يقول


(١) الحكمة من إرسال الرسل عفيفي (ص ١٩ - ٢٠).
(٢) الوحي المحمدي لرشيد رضا (ص ١٩٨).
(٣) كُفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض، من المسلم به أن الرسل كلهم متفقون في أصل الدين، فلزم من ذلك أن من أقر بنبوة البعض دون الآخر فإنه كافرٌ بالجميع، وذلك لاتفاقهم جميعاً في أصل رسالتهم، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} الشورى: ١٣، ولهذا كان الإيمان بهم جميعاً ركنا من أركان الإيمان الستة. ينظر: المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع (ص ٧٨٣).
(٤) الوحي المحمدي لرشيد رضا (ص ١٩٨).
(٥) الشيعة يجعلون الولي أفضل من النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل بلغ بهم الغلو إلى أن جعلوا الأئمة كالإله؛ يعلمون الغيب وبيدهم النفع والضر، فيتصفون بالصفات التي يتصف بها الإله لأنه على حسب زعمهم أنّ روح الإله تحل فيهم كما حلت في علي - رضي الله عنه -.

ينظر: التنبيه والرد (ص ٢٩)، والفرق بين الفرق (ص ٢٠٤)، الملل والنحل (١/ ١٧٤)، والبرهان (ص ٦٧).
(٦) يقول ابن عربي في فصوصه: "مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي" فرتبة الولاية عنده أعظم من رتبة النبوة لأن الولي يأخذ بلا واسطة والنبي بواسطة، وهو كلام ساقط يعرف بطلانه عوام الناس فضلا عن علمائهم! ! قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: " وكفر ابن عربي وأمثاله فوق كفر القائلين: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} الأنعام: ١٢٤، ولكن ابن عربي وأمثاله منافقون، زنادقة اتحادية في الدرك الأسفل من النار" شرح الطحاوية (ص ٤٩٤). ينظر: فصوص الحكم (١/ ٦٣)، وينظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية (ص ٤٠)، غلم الغيب في العقيدة الإسلامية، د. أحمد الغنيمان (ص ٢٧٨ - ٢٧٩).
(٧) هو: أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد السمناني الحنفي الأشعري، قاضي الموصل، كان مقدَّم الأشعرية في وقته، تتلمذ على الباقلاني، وتتلمذ عليه أبو الوليد الباجي، ولد سنة ٣٦١ هـ، وتوفي سنة ٤٤٤ هـ بالموصل.

ينظر: تاريخ بغداد (١/ ٣٥٥)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ٦٥١).

<<  <   >  >>