للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك نجد أن المعتزلة والجهمية ومن يسمون أنفسهم بالعقلانيين (١) وقفوا موقفاً متناقضاً من الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، فبعض الأحيان يأخذون بالسنة وفي البعض الآخر يردوها زاعمين وجوب الأخذ بالأحاديث المتواترة دون الآحاد، وعند التطبيق نجدهم يردون كثيراً من الأحاديث المتواترة ويأخذون بأحاديث الآحاد، وما ذلك إلا وقوع في نقيض المعتقد، ومع ذلك يقولون: إن الصحابة أو معظمهم لا يوثق بقولهم والأخذ منهم بعد حصول الفتنة، فلذلك يردون الرواية التي لا تروق لهم بهذه الحجة الفاسدة الواهية، فمرة يقولون بالتأويل ومرة بالمجاز ومرة بمخالفة المنقول لصريح المعقول (٢).

يقول ابن القيم - رحمه الله -: " ولما أصلت القدرية أن الله سبحانه لم يخلق أفعال عباده ولم يقدرها عليهم أولوا كل ما خالف أصولهم" (٣)، وبذلك جعلوا سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاضعة لهم ولمعتقداتهم، ومن الخلل عندهم في هذا الركن، أن المعتزلة والجهمية ينفون كرامات الأولياء بحجة أنه لو جاز ظهور الخوارق على أيديهم لالتبس النبي بغيره، إذ الفرق بين النبي وغيره هو المعجزة التي هي الخارق للعادة، والصحيح أن قولهم مردود حيث إن الولي لا يأتي بالخارق لادعاء النبوة (٤)، ولم يقف المعتزلة عند هذا الحد، بل أنكروا معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي تؤدي إلى إنكار نبوته، ونبوة غيره من الرسل والأنبياء (٥).

أما المرجئة فموقفها من هذا الركن متناقض كذلك، فما وافق أصولها تمسكت به وعضت عليه، وما ناقضها ضربت به عرض الحائط. يقول ابن القيم - رحمه الله -: " ولما أصلت المرجئة أن الإيمان هو المعرفة وأنها لا تزيد ولا تنقص أولوا ما خالف أصولهم، ولما أصلت الكلابية أن الله سبحانه لا يقوم به ما يتعلق بقدرته ومشيئته وسموا ذلك حلول الحوادث أولوا كل ما خالف هذا الأصل" (٦).، وفي المقابل يزعمون محبة الرسول عليه الصلاة والسلام،


(١) ويعني هذا المفهوم: التفسير العقلاني لكل شيء في الوجود، أو تمرير كل شيء في الوجود إلى قناة العقل لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه، فالعقلانية في حقيقتها إلغاء النص والاعتماد على العقل.
(٢) ينظر: تناقض أهل الأهواء والبدع (١/ ٣٤٧).
(٣) الصواعق المرسلة (١/ ٢٣١).
(٤) ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٧٥٣).
(٥) ينظر: الصواعق المرسلة (١/ ٢٣١).
(٦) الصواعق المرسلة (١/ ٢٣١).

<<  <   >  >>