للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: لا يعتقد ببعث ولا حساب على أعماله وأقواله، ولا يقيده غير مصلحته، ومنفعته الذاتية.

وآخر: يعتقد بيوم يحاكم فيه الإنسان على أعماله وأقواله، وأمام أحكم الحاكمين، فيثاب على الخير، ويعاقب على الشر.

فالأول منفلت من أي ضوابط سوى هواه وشهواته، والغاية عنده أنانية، تبدد أي وسيلة وأي خلق وأي عمل صالح، فهو يقهر اليتيم، ويمنع إطعام المسكين، يشير الله - عز وجل - إلى ذلك بقوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣)} الماعون: ١ - ٣.

والآخر منضبط في حدود الحق والخير والصواب، يسارع في الخيرات ويحافظ على الصلوات ويؤدي الزكوات، يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)} التوبة: ١٨ (١).

لذا فـ"إن الإيمان بالبعث والجزاء أصل صلاح القلب، وأصل الرغبة في الخير، والرهبة من الشر اللذين هما أساس الخيرات" (٢)، ولا شيء يحض على التطوع بما وراء التكليف أكثر من ذلك، إلا الإيمان العميق بأن الحسنة بعشر أمثالها (٣)، وأن ما يبذله الإنسان من جهد زائد على التكليف سيعوض عنه في اليوم الآخر بمتاع أعلى، وأشهى، وأشف: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ


(١) ينظر: القصد والوسطية في ضوء السنة النبوية (ص ٣٣٣ - ٣٣٥).
(٢) تيسير الكريم الرحمن (١/ ٣٦٠).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب: "هل يقول: إني صائم إذا شتم؟ "، برقم (١٩٠٤). ومسلم في كتاب الصيام، باب: "فضل الصيام"، برقم (٢٧٠٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - عز وجل -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).

<<  <   >  >>