للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفلاسفة الإلهيون: وهم يرون أن البعث للروح فقط، وأنكروا المعاد الجسماني (١)، بمعنى: أن الأجساد لا تحشر، وإنما المثاب والمعاقب هي: الأرواح المجرّدة، والمثوبات والعقوبات روحانيات لا جسمانية (٢).

أهل التناسخ (٣): وزعموا أن الإعادة إنما تكون بكرور الأرواح في أجساد مختلفة، وذلك كله في الدنيا، وأن كل روح أحسنت في قالبها أعيدت في قالب يتنعم فيه، وكل روح أساءت في قالبها أعيدت في قالب يؤذيها (٤).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حاكياً أقوال المتفلسفة والمتكلمة والمتصوفة: " فأهل التخييل هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه فإنهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع به الجمهور، لا أنه بين به الحق ولا هدى الخلق ولا أوضح الحقائق" (٥).

كما أن المتكلمين -من المسلمين- يرون أن الدليل على إثبات اليوم الآخر، لا يكون إلا سمعياً وأن العقل لا حظ له في ذلك إلا مجرد بيان عدم الامتناع، لكن لما كانت النصوص الشرعية الدالة على المعاد الجسماني واضحة، ومتواترة لا يستطاع إنكارها، ادعوا أن هذه النصوص إنما جاءت لخطاب الجمهور من العوام والدهماء الغليظة عقولهم وإفهامهم بما يفهمونه، مقرباً إلى أفهامهم ما لا يفهمونه بالتشبيه والتمثيل الجسماني الحسي؛ لأنه في زعمهم أشد تفهيماً للجمهور، فلوا خاطبهم بالمعاد الروحاني، فيشبه أن يكون أقل تحريكاً لنفوسهم، وأن يكونوا معه أقل رغبة فيه وخوفا منه (٦).


(١) ينظر: الكليات (ص ١٤٦)، شرح المقاصد (٢/ ١٥٥).
(٢) ينظر: الملل والنحل (١/ ١٦٩).
(٣) هم القائلون: بتناسخ الأرواح في الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى الإنسان من الراحة والتعب، والدعة والنصب فمرتب على ما أسلفه من قبل، وهو في بدن آخر جزاء على ذلك، والإنسان أبداً في أحد أمرين: إمّا في فعل، وإما في جزاء، وما هو فيه فإماً مكافأة على عمل قدّمه، وإمّا علم ينتظر المكافأة عليه.
ينظر: الملل والنحل (١/ ١٩٤)، والفرق بين الفرق (ص ٢٤٠) وما بعدها.
(٤) أصول الدين لعبد القاهر البغدادي (ص ٢٣٥).
(٥) مجموع الفتاوى (٥/ ٣١).
(٦) ينظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة (ص ٤٥٦).

<<  <   >  >>