للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك مما يخالف مذهبهم، وهذا التقدير ينكره متأخرو القدرية، بينما يثبتون علم الله سبحانه بالأشياء قبل وقوعها (١).

ولو ذهبنا نستجلي أقوال الناس في هذه المسألة لوجدنا أنها هي هي، لم تتغير قبل الإسلام أو بعده، فهي ترجع دائماً إلى ثلاثة أقوال (٢):

١ - قول الجبرية (٣): الذين يقولون: بأن الله هو الخالق للأفعال، بينما الإنسان مجبور على أفعاله.

٢ - قول أهل حرية الإرادة (٤): الذين يقولون: إن الله لا يوصف بأنه يخلق فعل العبد، بل الإنسان مستقل في أفعاله عن خالقه، وأنه هو الذي يخلق أفعاله، وهم يقولون هذا لسببين:

أ-أن فعل العبد فيه الأشياء المشينة مثل: الكفر، والزنا، والسرقة، والقتل .. إلخ، ولو قيل: أن الله هو الذي يخلق هذه الأشياء، لصار في هذا نسبة للأشياء السيئة إلى الله، وهو منزه عنها.


(١) ينظر: فتح الباري (١/ ١١٩)، وسطية أهل السنة بين الفرق (ص ٣٧١). ينظر: الفرق بين الفرق (ص ٢٥)، درء التعارض (٩/ ٣٩٦)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (١/ ٢٠٠) (٣/ ٤٥٠) (٤/ ٧٧٥)، مجموع الفتاوى (٨/ ٤١٩).
(٢) ينظر: القضاء والقدر في الإسلام، د. فاروق الدسوقي (١/ ١ - ٣٨)، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة، د. عبد الرحمن المحمود (٣/ ١٣٠٨ - ١٣٣٠)، تناقض أهل الأهواء والبدع (١/ ٣٥٩ - ٣٦٠).
(٣) الجبرية هم نفاة الفعل حقيقة من العبد، وإضافته إلى الرب تعالى، وأشهر من يمثلها: الجهمية، والقائلين بالكسب من الأشاعرة، وهم أصناف: منهم الجبرية الخالصة: التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً، والجبرية المتوسطة: التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة.
ينظر: الملل والنحل (١/ ٧٢)، والتعريفات (ص ٧٤). ينظر: تفصيل مذهبهم في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص ١٠٣ - ١٠٦)، والملل والنحل (١/ ٨٥ - ٨٦) وما بعدها، والبرهان للسكسكي (ص ٤٢ - ٤٣).
(٤) وهم القدرية وسموا بذلك لتكذيبهم القدر، ومقولتهم قائمة على أن العبد خالق لأفعاله كلها، خيرها وشرها استقلالاً، وأول ما ظهر عنهم هو أن الأمر أنف، أي مستأنف، لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه. وكان أول من تلكم به رجل نصراني يقال له سنسويه البقال، وسماه الأوزاعي سوسن، أسلم ثم عاد فتنصر، فأخذ عنه معبد الجهني البصري وأخذ عنه معبد غيلان ابن مسلم الدمشقي. وقد أطلق السلف رحمهم الله تعالى هذا الاسم على المعتزلة أيضاً، ووصموها به لكونهم نفوا قضاء الله وقدره في معاصي العباد.
ينظر: السنة للخلال (ص ٥٢٦ - ٥٢٨)، ومعالم السنن للخطابي (٤/ ٣١٧ - ٣٢٠)، وغريب الحديث للخطابي (٢/ ٣٩٣ - ٣٩٤)، وشرح النووي لصحيح مسلم (١/ ١٥٣ - ١٥٦)، والبرهان لسكسكي (ص ٥٠).

<<  <   >  >>