للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقال: أثمرت الشجرة وطلعت الشمس وغربت واهتزت الأرض وأنبتت إلى غير ذلك، وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضاً جبر، وهذا ما قالت به الأشاعرة (١)

والجهمية (٢).

ومع أن الكلابية يثبتون الحكمة لله - عز وجل - إلا أنهم يجعلونها قديمة، فيزعمون أن الله تعالى لم يزل راضياً عمن علم أنه سيموت مؤمناً وإن كان أكثر عمره كافراً، ولم يزل ساخطاً على من علم أنه سيموت كافراً، وإن كان أكثر عمره مؤمناً، وإرادة الله سبحانه وتعالى لكون الشيء هو الكراهة ألا يكون، ويزعمون أن محبته ورضاه وسخطه وإرادته كل ذلك قديم، وقولهم واضح البطلان حيث يؤدي إلى رد الصفات الاختيارية ورد النصوص من الكتاب والسنة فظهر خلل المرجئة في هذا الموضع (٣).

والخلاصة أن نفي قدرة العبد واختياره، وإخراج أفعاله عن أن تكون أفعالاً له؛ وإنما هو آله محضة، مضطرٌ إلى جميع ما فيه من حركة أو سكون، وأن إضافة الفعل إليه مجازاً، والفاعل الحقيقي هو الله تعالى، كل هذا ترتب عليه مفاسد كثيره، منها:

١ - اعتقادهم أنهم مكرهون على المعاصي، مقهورون على فعل السيئات، من غير اختيار منهم البتة، وبناء على هذا اعتقدوا أنهم إذا عُذبوا على السيئات فإنما يعذبون على ما لا صنع لهم فيه؛ بل يعذبون على فعله هو - سبحانه وتعالى - عما يقولون- إذ العبد عندهم لا فعل له، وقد بلغ التجرؤ أقصاه عندما تبجح من تبجح بالمدافعة عن إبليس زاعمين


(١) الأشاعرة يثبتون للعبد قدرة محدثة وكسباً، ويقصدون بذلك أن الأفعال مستندة إلى الله تعالى خلقاً وإلى العبد كسباً بإثبات قدرة مقارنة للفعل، ولكن قدرة العبد غير مؤثرة، والمقدور والقدرة كلاهما واقع بقدرة الله، لكن الشيء الذي حصل بخلق الله وكونه متعلق القدرة الحادثة هو الكسب. والذي أوقعهم في التناقض -نسبة الفعل إلى العبد مع نفي تأثير قدرته فيه- أنهم ظنوا أن التأثير للقدرة في الفعل لا يكون إلا على وجه الإحداث للفعل، وهي الشبهة المشتركة بين القدرية والجبرية، فلا يمكنهم -والأمر كذلك- إلا أن يلتزموا بما التزمت به الجبرية من القول بنفي تأثير قدرة الرب وقدرة العبد، ومن هنا ادعوا أن القدرة الكاسبة غير القدرة المؤثرة، وأن التمانع إنما يكون بين قدرتين مؤثرتين.

والسؤال الذي لم يتمكن الأشاعرة من الإجابة عليه، أنهم إذا نفوا التأثير لقدرة العبد في فعله لم يمكنهم التفريق بين قولهم وقول الجبرية، وأنه يلزمهم كل ما يلزم الجبرية مما يتعلق بموقفهم من أساس التكليف، ومن هنا اعترف بعضهم بالجبر وإن حاولوا تبريره بالادعاء أنه ليس مطابقاً لمذهب الجبرية.
ينظر: الخلاف العقدي في باب القدر، د. عبد الله القرني (ص ٣٩ - ٤٠).
(٢) ينظر: بيان مخالفة الكوثري لاعتقاد السلف، د. محمد عبد الرحمن الخميس (ص ٨٨)، تناقض أهل الأهواء (١/ ٣٦٤).
(٣) ينظر: الفرق بين الفرق (ص ١٥٨)، البرهان (ص ٣٤ - ٣٥)، تناقض أهل الأهواء (١/ ٣٦٤).

<<  <   >  >>