للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل وصل التفرق بهم إلى أبعد من ذلك، وصدق الله العظيم إذ يقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} النساء: ٨٢، فإن كل فرقة من رؤوس الفرق التي خالفت الحق وأهله لا تأتلف إلا على الأصل الذي خالفت به الحق؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حاكياً صنيعهم: " ثم هؤلاء يجعلون ما ابتدعوه من الأقوال المجملة دينا يوالون عليه ويعادون" (١)، ثم يكون بين أتباعها من الاختلاف الشديد ما يجعل الفرقة الأصلية تنقسم إلى فرق عديدة، ثم يكون بين تلك الفرق المنقسمة عن الفرقة الأم من العداوة والبغضاء والتنافر ما يصل إلى درجة أن تكفر كل فرقة جميع الفرق التي تنتسب معها إلى الفرق الأصلية -فضلا عن غيرها من الفرق المخالفة لها (٢). وصدق عليهم ما روي عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه قال: "من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل" (٣).

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة" (٤).

قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} البقرة: ٢٥٣، فأخبر سبحانه أن الأمم لما اختلفوا بعد أنبيائهم وقع القتال بين بعضهم البعض.

وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " إن بني إسرائيل كانوا على شريعة ومنهاج، ظاهرين على من ناوأهم، حتى تنازعوا في القدر، فلما تنازعوا اختلفوا وتباغضوا وتلاعنوا واستحل بعضهم حرمات بعض، فسلط عليهم عدوهم فمزقهم كل ممزق" (٥)، وكما وقع الاقتتال وغيره في فرق الأمم قبلنا؛ فقد وقع في هذه الأمة أيضاً، قال ابن حزم - رحمه الله -: " اعلموا -رحمكم الله- أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله تعالى قط على أيديهم خيراً، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين .. أما الخوارج والشيعة فأمرهم في هذا أشهر من أن يتكلف ذكره ... ، وأما المرجئة فكذلك،


(١) درء تعارض العقل والنقل (١/ ٢٧٦).
(٢) ينظر التنبيه والرد (ص ٩١)، الفرق بين الفرق (ص ٣٦١).
(٣) تهذيب تاريخ دمشق (٧/ ١٤٣).
(٤) الاستقامة (١/ ٤٢).
(٥) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٤/ ٧٠٠) برقم (١١٣٣).

<<  <   >  >>