للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتفريط هو التساهل في الدين، والإفراط هو التشدد في الدين، وكلاهما منهي عنه شرعاً وموقع في الأهواء والبدع، فالتساهل إعراض، والتشدد ابتداع.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " وإنما جماع الشرِّ تفريط في حق أو تعدٍّ إلى باطل، وهو تقصير في السنة أو دخول في البدعة، كترك بعض المأمور وفعل بعض المحظور، أو تكذيب بحق وتصديق بباطل؛ ولهذا عامة ما يؤتى الناس من هذين الوجهين، فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم، كما ذكرت، تفريط في معرفة النصوص أو فهم معناها أو القيام بما تستحقه من الجهة ودفع معارض، فهذا عجز وتفريط في الحق، وقد يحصل منهم دخول في باطل: إما في بدعة ابتدعها أهل البدع وافقوهم عليها واحتاجوا إلى إثبات لوازمها، وإما في بدعة ابتدعوها هم لظنهم أنها من تمام السنة كما أصاب الناس في مسألة كلام الله وغير ذلك من صفاته" (١).

وقال ابن الوزير - رحمه الله -: " اعلم أن منشأ معظم البدع يرجع إلى أمرين واضح بطلانهما ... الزيادة في الدين بإثبات مالم يذكره الله تعالى ورسوله -عليه السلام- من مهمات الدين ... والنقص منه بنفي بعض ما ذكره الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بالتأويل الباطل ... ولهذين الأمرين الباطلين أصلان: عقلي وسمعي.

أما العقلي: أنه عرض للمبتدعة بسبب الخوض فيما لا تدركه العقول مما أعرض عنه السلف، نحو ما عرض للبراهمة الذين حكموا برد النبوات ... فلزمهم ما التزموا من أن رسل الله -عليهم السلام- قصروا في البيان عمداً امتحاناً للمكلفين، وتعريضاً للعلماء الراسخين في تأويل كلام رب العالمين.

وأما الأصل الثاني وهو السمعي: فهو اختلافهم في أمرين أحدهما: في معرفة المحكم والمتشابه أنفسهما والتمييز بينهما حتى يرد المتشابه إلى المحكم، وثانيهما: اختلافهم هل يعلمون تأويل المتشابه ثم اختلافهم في تأويله على تسليم أنهم قد عرفوا المتشابه ... فطلبوا العلم من غير مظانه بل طلبوا علم ما لا يعلم فتعارضت أنظارهم العقلية وعارض بعضهم بعضا في الأدلة السمعية" (٢).


(١) الصفدية (١/ ٢٩٣).
(٢) مختصر عن إيثار الحق على الخلق (ص ٨٥) وما بعدها، ينظر: دراسات في الفرق والأهواء (ص ٣٥١).

<<  <   >  >>