للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلتُ لأبي عبدِ الله: فإذا باع المُعْرِي العَرِيّة، أنَّهُ أن يأخذُ التَّمْرَ السّاعةَ، أو عندَ الجَداد؟ قال: بل يأخُذُ الساعة. قلت له: إنَّ مالِكًا يقول: ليسَ له أنْ يأخذَ التَّمْرَ الساعةَ حتى يُجَدَّ. قال: بل يأخُذُ السّاعَةَ على ظاهرِ الحديث.

أخبرنا بذلك كلِّه عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ عبد المؤمن، قال: حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ أحمدَ الوَرّاق، قال: حدَّثنا الخضرُ بنُ داود، قال: حدَّثنا أبو بكرٍ الأثرم، فذكَرَه بتمامِه.

وأمّا أبو حنيفةَ وأصحابُه، فقالوا في العَرايا قولًا لا وَجهَ له؛ لأنّه مخالفٌ لصحيح الأثَر في ذلك، فوجَب ألّا يُعرَّجَ عليه، وإنكارُهم للعَرايا كإنكارِهم للمُساقاةِ مع صحَّتِها، ودَفْعِهم لحديثِ التَّفْليس، إلى أشياءَ من الأُصُول رَدُّوها بتأويل لا معنَى له، فأمّا قولُهم في ذلك، فقالوا: العَرِيّةُ هي النَّخْلةُ يَهَبُ صاحبُها ثمرَها لرجل، ويَأذَنُ له في أخْذِها فلا يَفْعَل، حتى يَبدُوَ لصاحِبها أن يَمنَعَه من ذلك، فله مَنعُه؛ لأنّها هِبةٌ غيرُ مَقْبوضَة؛ لأنَّ المُعْرَى لم يكنْ مَلكَها، فأُبِيح للمُعرِي أن يُعَوِّضَه بخَرْصِها تَمْرًا ويَمنَعَه (١). وهذا على أصُولهم في الهِبات، أنَّ للواهبِ مَنَعَ ما وَهب ما لم يَقْبضْه المَوْهوبُ له.

وقال بعضُ أصحابِ أبي حنيفة؛ وهو عيسى بنُ أبان (٢): الرُّخصَةُ في ذلك للمُعْرَى أنْ يأخُذَ بدَلًا من رُطَبٍ لم يَمْلِكْه تَمْرًا.

وقال غيرُه منهم (٣): الرُّخصةُ فيه للمُعْرِي؛ لأنّه كان يكونُ مُخْلِفًا لوعدِه، فرُخِّصَ له في ذلك، وأُخرِج به من إخلافِ الوعد.


(١) نقل هذه المسألة عن أبي حنيفة وأصحابه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ١٢٠.
وينظر: الأوسط لابن المنذر ١٠/ ٧٦، والمبسوط للسرخسي ١٢/ ١٩٢.
(٢) كما في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ١٢٠.
(٣) المصدر السابق ٣/ ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>