ومن ذهبَ إلى القول بحديثِ يونسَ هذا قال: رواتُه كلُّهم ثِقاتٌ فقهاءُ عُدُولٌ. واحتَجَّ أيضًا بأنَّ الرُّطَبَ بالرُّطب أجْوَزُ في البيع من الرُّطَب بالتَّمْر.
وقال آخرون وهم الجمهور: لا يجوزُ بيعُها؛ لأنَّ العِلّةَ حينئذٍ ترتَفعُ وتذهَبُ، وأيُّ ضرورَةٍ تَدعُو إلى بيع رُطَبٍ برُطَبٍ لا يُعرَفُ أنَّ ذلك مثلٌ بمثل؟ وكيف يجوزُ ذلك وهو المُزابَنة المنهيُّ عنها، ولم تَدْعُ ضرورةٌ إليها؟ والذين أجازوا بيعَها بالرُّطَبِ جعَلوا الرُّخصةَ في العَرِيّة، أنَّها ورَدَتْ في المقدارِ المُستثنَى رُخْصةً لمن شاء ذلك من غير ضرورة؛ إذ الضرورةُ لم تُنصَّ في الحديث. قالوا: ومَن لم يُراع الضرورةَ لم يُخالِفِ الحديث، إنّما يُخالِفُ تَأويلَ مُخالِفه. ولهم في هذا اعتراضاتٌ لا وَجهَ لذِكْرِها.
قال أبو عُمر: لا أعلمُ أحدًا قال بجواز بيع العَرِيّةِ بالرُّطَبِ إلّا بعضَ أصحاب داود، وأصحابَ أبي حنيفة (١). واللهُ أعلم.
وكان أبو بكرٍ الأبهَريُّ رَحمه الله يقول: معنى حديثِ يونُسَ هذا أنْ يأخُذَ المُعْرِي الرُّطَب، ويُعْطي خَرْصَها تَمْرًا عندَ الجَدادِ للمُعْرَى، وهذا يُخرَّجُ على أصل مَذْهَبِه. قال الأبهريُّ: ولا أعلَمُ أحدًا تابَعَ يونسَ على ما ذكَره في حديثه عن ابنِ شهاب بالرُّطَب.
قال أبو عُمر: قد روَى الأوزاعيُّ، عن ابنِ شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن زيدٍ في هذا الحديثِ ذكرَ الرُّطَبِ أيضًا إن كان محفوظًا عن الأوزاعيّ.
حدَّثناه محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ حَكَم، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ مُعاوية، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ أبي حَسّان، قال: حدَّثنا هشامُ بنُ عمّار، قال: حدَّثنا عبدُ الحميد، قال:
(١) وأضاف إليهما ابنُ المنذر: أبا ثور، فقال في الأوسط ١٠/ ٢٢٠: "وحُكيَ عن النُّعمان أنه رخّص في بيع الرُّطب بالتمر، وأظنُّ أبا ثور وافقَه على ذلك، وهذا خلافَ نهي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عنه". ونحو ذلك قال ابن حزم في المحلّى ٨/ ٤٦١. وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٣٦.