للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب، إلّا أنَّ التَّنزُّهَ عنها حسنٌ، وقبولهُا من غيرِ مسألةٍ لا بأسَ به، ومسألتُها غيرُ جائرةٍ إلا لمن لم يَجِدْ بُدًّا. وسنبَيِّنُ هذه الوجوهَ كلَّها في مواضعِها من كتابِنا هذا إن شاء الله.

وقد استدلَّ جماعةٌ من أهل العلم على جوازِ شراءِ المتَصَدِّقِ صَدَقتَه من الساعِي إذا قبَضها الساعي وبان بها إلى نفسِه، بحديثِ بَريرةَ هذا، وقالوا: شراءُ الصدقةِ من الساعي ومن المتصدَّقِ عليه جائزٌ؛ لأنَّها ترجِعُ إلى مُشترِيها من غير تلك الجهة، لانه ليس بمانعٍ للصدقة، ولا عائدٍ فيها من وجهِها.

وقالوا: كما رجَعتِ الصدقةُ على بَريرةَ هديَّة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكنْ بذلك بأسٌ، فكذلك إذا اشتراها المتصدِّقُ بها.

قالوا: وكما أنَّه لو وَرِثَها لم يكنْ بذلك عندَ أهل العلم بأسٌ. وقيل: إنَّ اسْتِقاءَ عمرَ بن الخطاب اللبنَ الذي سُقِيه من نَعَم الصدقةِ إنّما استَقاءَه؛ لأنَّ الذي سقَاه إيَّاه كان من الأغنياءِ الذين لا تَحِلُّ لهم الصدقةُ (١)، ولا يَصِحُّ لهم مِلْكُها، ولو كان ممّن تَحِلُّ له الصدقةُ ويَستَقِرُّ عليها مِلْكُه ما استقاءَه عمرُ؛ لأنَّه كان تَحِلُّ له حينَئذٍ، لأنَّه غنيٌّ أهدَى إليه رجلٌ مسكين ممَّا تُصُدِّقَ عليه، على حديثِ بَريرةَ وغيرِه، وممَّا قد ذكَرناه في هذا الباب، والحمدُ للّه.

قال أبو عمر: أمَّا إهداءُ المسكين إلى الغنيِّ، فقد ثبَت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - جوازُه


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه مالكٌ في الموطّأ ١/ ٣٦٢ (٧٢١) وبرواية أبي مصعب الزُّهري ١/ ٢٧٧ (٧٥٤) عن زيد بن أسلم أنه قال: "شرِبَ عمرُ بن الخطّاب لبنًا، فأعجَبَه، فسأل الذي سقاهُ: من أين هذا اللّبنُ؟ فأخبره أنَّه وَرَد على ماءٍ، قد سمّاهُ، فإذا نَعَمٌ من نَعَم الصَّدقةِ وهُم يسْقُون، فحَلَبُوا لي من ألبانها، فجعلْتُه في سِقائي، فهو هذا، فأدخَلَ عمرُ بنُ الخطّاب يدَه فاستَقاءَهُ".
وأخرجه عن مالك الشافعيُّ في الأم ٢/ ٩١، ومن طريقه البيهقيُّ في معرفة السُّنن والآثار ٩/ ٣٣٠ (١٣٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>