وأجمَعوا أنَّ اللُّقَطَةَ ما لم تكنْ تافِهًا يسيرًا، أو شيئًا لا بقاءَ له، فإنَّها تُعرَّفُ حَولًا كاملًا.
وأجمَعوا على أنَّ صاحبَها إذا جاءَ فهو أحقُّ بها من مُلْتَقِطِها، إذا أثْبَتَ له أنَّه صاحبُها.
وأجمَعوا أنَّ مُلتَقِطَها إن أكَلَها بعدَ الحولِ وأراد صاحبُها أن يُضَمِّنَه، فإنَّ ذلك له، وإن تَصدَّقَ بها فصاحبُها مُخيَّرٌ بين التضمين، وبينَ أن يَنْزِلَ على أجرِها، فأيَّ ذلك تخيَّرَ كان ذلك له بإجماع، ولا تَنْطَلِقُ يَدُ مُلْتَقِطِها عليها بصدقةٍ ولا تَصَرُّفٍ قبلَ الحَول. وأجمَعوا أنَّ آخِذَ ضَالَّةِ الغَنَمِ في الموضع المخُوفِ عليها له أكلُها.
واختلفوا في سائر ذلك على ما نذكُرُه إن شاء اللهُ تعالى. فمن ذلك أنَّ في الحديثِ دليلًا على إباحةِ التِقاطِ اللُّقَطَةِ، وأخذِ الضالَّةِ ما لم تكنْ إبلًا؛ لأنَّه عليه السلامُ أجاب السائلَ عن اللُّقَطَةِ بأن قال:"اعرِفْ عِفاصَها ووكاءَها". كأنَّه قال: احفَظْها على صاحبِها، واعرِفْ من العلاماتِ ما تُسْتَحَقُّ به إذا طُلِبت. وقال في الشاة:"هي لك، أو لأخيك، أو للذِّئب". يقولُ: خُذْها، فإنَّما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب إن لم تأخُذْها. كأنَّه يحُضُّه على أخذِها، ولم يقُلْ في شيءٍ من ذلك: دعُوه حتى يَضيعَ أو يَأتيَه ربُّه. ولو كان تركُ اللُّقَطَةِ أفضلَ لأمَر به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، كما قال في ضالَّة الإبل، واللّهُ أعلمُ.
ومعلومٌ أنَّ أهلَ الأماناتِ لو اتَّفقوا على تَركِ اللُّقَطَةِ، لم تَرجِعْ لُقَطَةٌ ولا ضالَّة إلى صاحبِها أبدًا؛ لأنَّ غيرَ أهلِ الأماناتِ لا يُعرِّفونَها، بل يَستحِلُّونَها ويأكُلُونَها.
واختَلَف الفقهاءُ في الأفضل من أخذِ اللُّقَطَةِ وتركِها، فروَى ابنُ وهبٍ، عن مالكٍ، أنَّه سُئل عن اللُّقَطَةِ يجِدُها الرجلُ، أيأخُذُها؟ فقال: أمَّا الشيءُ