للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي له بالٌ، فإنِّي أرَى ذلك. فقال له الرجلُ: إنِّي رأيْتُ شَنْفًا (١) أو قُرْطًا في المسجدِ مطروحًا فتَركتُه. فقال مالكٌ: لو أخَذتَه فأعطَيتَه بعضَ نساءِ المسجدِ كان أحبَّ إليَّ (٢).

قال: وكذلك الذي يَجِدُ الشيءَ، فإن كان لا يَقوَى على تعريفه، فإنَّه يَجِدُ مَن هو أقوَى على ذلك منه ممَّن يوثقُ به يُعطِيه فيُعَرِّفُه، فإن كان الشيءُ له بالٌ فأَرَى أن يَأخُذَه (٣).

وروَى يحيى بنُ يحيى، عن ابن القاسم، عن مالكٍ: أنَّه كرِه أخْذَ اللُّقَطَةِ والآبِقِ جميعًا. قال: فإن أخَذ أحدٌ شيئًا من ذلك، فأبَق الآبِقُ، أو ضاعَتِ اللُّقَطَةُ من غيرِ فِعلِه ولم يُضيِّع، لم يَضْمَنْ. وقال مالًا فيمَن وجَد آبِقًا: إن كان لجارٍ أو لأخ، رأيتُ له أن يَأخُذَه، وإن كان لمن لا يَعرِفُ، فلا يَقْرَبْه، وهو في سَعَةٍ من تركِ ما لجارِه وأخيه (٤). وحمَله أصحابُ مالكٍ أنَّه في سَعَةٍ، إن شاء أخذَها، وإن شاء ترَكها. هذا قولُ إسماعيلَ بن إسحاقَ رحِمه اللهُ، وهو ظاهرُ حديث زيدِ بنِ خالدٍ هذا إن شاء الله.

قال أبو عمر: إنَّما جعَله مالكٌ، واللّهُ أعلمُ، في سَعَةٍ من ذلك؛ لما في أخذِ الآبقِ والحيوانِ الضَّالِّ من المُؤَنِ، ولم يُكلِّفِ اللهُ عبادَه ذلك، فإن فعَله فاعلٌ


(١) والشَّنَفُ: ما عُلِّق في أعلى الأُذن كالقُرْط ونحوه. والجمع شُنوف ينظر: جمهرة اللغة لابن دريد ٢/ ٨٧٤، والصحاح للجوهري (شنف).
(٢) ذكره أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد في البيان والتحصيل ١٥/ ٣٥٤، وفيه عنده "بعض نساء المسجد يُعرِّفْنَه كان أحبَّ إلي". زيادة "يُعرِّفْنَه"، وبوجودها يكتمل المعنى المراد من السِّياق.
(٣) ينظر: البيان والتحصيل ١٥/ ٣٥٤.
(٤) ينظر ما ذُكر عن ابن القاسم وما نقله عن مالك: المدوّنة ٤/ ٤٦٤، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>