للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أحسَنَ، وليسَتِ اللُّقَطَةُ كذلك؛ لأنَّ المؤونةَ فيها خَفيفةٌ؛ لأنّها لا تَحتاجُ إلى غذاءٍ ولا اهتبالٍ بحِرْزٍ، ولا يُخشَى غائلتُها فيُتَحفَّظَ منها كما يُصنَعُ بالآبق.

وقال الليثُ في اللُّقَطة: إن كان شيءٌ له بالٌ، فأحَبُّ إليَّ أن يأخُذَه ويُعَرِّفَه، وإن كان شيئًا يَسيرًا، فإن شاء ترَكه، وأمَّا ضالَّةُ الإبِل (١)، فلا أُحِبُّ أن يَقْرَبَها، إلا أن يَحُوزَها لصاحبِها (٢).

قال ابنُ وهبٍ: وسمِعتُ الليثَ ومالكًا يقولان في ضالَّةِ الإبلِ في القُرَى: مَن وجَدها يُعرِّفُها، وإن وجَدها في الصَّحارَى فلا يَقربْها (٣). وأصحابُ مالكٍ يقولونَ في الذي يأخُذُ اللُّقَطَةَ ثم يَرُدُّها إلى مكانِها في فَورِها أو قريبًا من ذلك: إنَّه لا ضَمانَ عليه. قال ابنُ القاسم: إن تَباعدَ ذلك ثم ردَّها، ضَمِنَ (٤). وقال أشهبُ: لا يَضمَنُ وإن تَباعدَ. ولا وجْهَ عندي لقول أشهبَ؛ لأنَّه رجلٌ قد حصَل بيدِه مالُ غيره، ثم عرَّضَه للضَّياع والتّلف. وقال المُزَنيُّ (٥) عن الشافعيِّ: لا أُحِبُّ لأحدٍ تَرْكَ لُقَطَةٍ وجَدها إذا كان أمينًا عليها. قال (٦): وسواءٌ قليلُ اللُّقَطَةِ وكثيرُها. واحتجَّ بقول رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في ضالَّة الغَنَم: "هي لك، أو لأخيك، أو للذِّئب". يقولُ: إنْ لم تَحفَظْها بنفسِك على أخيك أكَلها الذِّئبُ، فاحْفَظْ على أخيكَ ضالَّتَه الضَّائعةَ.

وذكَر بعضُ أصحابِه ما حدَّثنا به عبدُ الله بنُ محمدِ بن أسدٍ وخلفُ بن قاسمِ بنِ سهلٍ، قالا: حدَّثنا عبدُ الله بنُ جعفرِ بنِ الوَرْد، قال: حدَّثنا مِقدامُ بنُ داودَ،


(١) هكذا في ط، وهو الذي في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣٤٨، ووقع في ق، ك ٢: "الغنم".
(٢) ينظر ما نُقل عن الليث بن سعد: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣٤٨.
(٣) المصدر السابق ٤/ ٣٤٨.
(٤) المدوّنة ٤/ ٤٥٥.
(٥) في مختصره ٨/ ٢٣٥، وهو منصوص عليه في الأم ٤/ ٦٨.
(٦) يعني: إسماعيل بن يحيى المُزني في مختصره ٨/ ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>