مثال ذلك ترجيحه رواية مالك المرسَلة لسليمان بن يسار: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوَّجاه ميمونةَ بنتَ الحارث، حيث ذهب الدارقطني وابن القطان الفاسي والبيهقي إلى تصحيح الرواية الموصولة. (٢/ ٥٢٥ - ٥٢٦).
فقلنا: وإلى هذا ذهب أبو حاتم فيما نقل عنه ابنه في المراسيل ص ٨١ (٢٩٣) على أنَّه مرسل.
ولكن رجَّح آخرون اتصاله، وردُّوا على ما ذكره ابن عبد البرِّ هنا، ومن بينهم ابن القطّان الفاسي، فإنه ذهب إلى صحَّة سماع سليمان بن يسار من أبي رافع، فقال في كتابه بيان الوهم والإيهام ٢/ ٥٦١:"وقد يعرِض في سماع سليمان بن يسار من أبي رافع شكٌّ لمَن يقف على كلام أبي عمر ابن عبد البَرِّ، فإنه لمّا ذكر حديث مالكٍ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار"، فساق كلامه الوارد هنا، ثم أعقبه بقوله:"وأنا أظنُّ أنّ الحديث المذكور متَّصل، باعتبار أن يكون الصحيح في مولد سليمان قولَ من قال: سنة سبع وعشرين، فتكون سنُّه نحو ثمانية أعوام يومَ مات أبو رافع، وقد يصحُّ سماعُ مَن هذه سِنُّه". ثم دلَّل على ذلك بما نقله عن ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير، السفر الثاني ١/ ٧٦ (١٧٠) ما أخرجه عن سفيان بن عيينة عن صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال: قال أبو رافع: لم يأمرني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أنزل الأبطح حين خرج من منًى، ولكني جئت فنزلت، فجاء، فنزل. والحديث أخرجه من طريقه مسلم (١٣١٣)(٣٤٢)، فقال -يعني ابن القطّان الفاسي-: "ففي ذكر هذا سماعه منه".
وما ذكره بعضهم من إعلال الرواية الموصولة من جهة ضعف مطر الورّاق، فقد ذهب الدارقطني إلى تصحيح روايته لمتابعة بشر بن السَّري -وهو ثقةٌ متقن من أصحاب مالك- له عن مالك، ولأنهما ثقتان عنده، فقال في علله ٧/ ١٣ (١١٧٥) بعد أن ذكر الاختلاف فيه على ربيعة بن أبي عبد الرحمن: "وحديث مطرٍ وبشر بن السَّريّ متّصلًا، وهما ثقتان". بل وذهب البيهقيُّ إلى أبعد من ذلك، فقال في معرفة السُّنن والآثار ٧/ ١٨٥ (٩٧٥٠) بإثر تخريجه لرواية مطرٍ المرفوعة، فيما نقله عن