للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حولًا ثم يَأكُلَه. قال المزنيُّ: هذا أوْلَى [القولين] (١) به؛ لأنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ للمُلْتَقِطِ: "فشأنَكَ بها". إلَّا بعدَ السَّنَة، ولم يُفرِّقْ بين القليل والكثير.

قال أبو عمر: التعريفُ عندَ جماعةِ الفقهاءِ، فيما علِمتُ، لا يكونُ إلَّا في الأسواق، وأبوابِ المساجدِ، ومواضع العامَّة واجتماعِ الناس.

ورُوِيَ عن عمرَ، وابنِ عباسٍ، وابن عمرَ، وجماعةٍ من السَّلَفِ يطولُ ذِكْرُهم (٢). أنَّ اللُّقَطَةَ يُعرِّفُها واجِدُها سنةً، فإن لَمْ يأْتِ لها مُستَحِقٌ، أكَلها واجِدُها إن شاء، أو تَصَدَّقَ بها، فإن جاءَ صاحبُها وقد تَصَدَّقَ بها، فهو مُخيَّرٌ بينَ الأجر والضَّمان. وبهذا كلِّه أيضًا قال جماعةُ فقهاءِ الأمصار؛ منهم مالكٌ، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، وأبو حنيفةَ، والليثُ، والشافعيُّ، ومَن تبِعَهم، إلَّا ما بيَّنا عنهم في كتابِنا هذا من تفسيرِ بعضِ هذه الجملةِ ممَّا اختلَفوا فيه.

وأجمَعوا أنَّ الفقيرَ له أن يَأكُلَها بعدَ الحوْل، وعليه الضَّمانُ. واختلَفوا في الغنيِّ؛ فقال مالكٌ: أمَّا الغنيُّ فأحبُّ إليَّ أن يَتصدَّقَ بها بعدَ الحول، ويَضْمَنَها إن جاء صاحبُها (٣).

وقال ابنُ وهبٍ: قلتُ لمالكٍ في حديثِ عمرَ بنِ الخطَّاب حينَ قال للذي وجَد الصُّرَّةَ: عرِّفْها ثلاثًا، ثم احبِسْها سنةً، فإن جاء صاحبُها، وإلا فشأنك بها: ما شأنُه بها؟ قال: يَصنَعُ بها ما شاء؛ إن شاء أمسَكها، وإن شاء تَصدَّقَ بها، وإن شاء استَنْفَقَها، فإن جاء صاحبُها أدَّاها إليه (٤).


(١) زيادة مفيدة من المزني.
(٢) ينظر المصنّف: لعبد الرزاق، كتاب اللُّقطة ١٠/ ١٢٧ - ١٣٩، ولابن أبي شيبة في (باب اللقطة ما يُصنع بها (٢٢٠٤٩) فما بعد)، والأوسط لابن المنذر، ذِكْر الوقت الذي إليه تعرَّف اللقطة ١١/ ٣٨٥ - ٣٨٩.
(٣) ينظر: المدوّنة ٤/ ٤٥٩.
(٤) ونحو ذلك نقل عنه ابن القاسم في المدوّنة ٤/ ٤٥٥، ٤٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>