للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد يَكونُ له مالٌ لا يُخرِجُه إلى حدِّ الغِنَي، فيجوزُ أن يُقالَ له: "اخلِطْها بمالِك".

وفي ذلك دليلٌ على انطلاقِ يَدِه عليها بما أحَبَّ، كانطلاقِ يَدِه في مالِه، ألا ترَى إلى قولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديثِ عياضِ بن حمارٍ: "فإن جاء صاحبُها فهو أحقُّ بها، وإلا فهو مالُ الله يُؤتيهَ من يَشاء" (١)؟ وهذا معناه انطلاقُ يَدِ المُلتَقِطِ وتَصرُّفُه فيها بعدَ الحَولِ، ولكنَّه يَضمَنُها إن جاء صاحبُها وأحبَّ ذلك، بإجماع المسلمين؛ لأنَّه مُستهلِكٌ مالَ غيرِه (٢)، ومن استَهْلكَ لغيرِه شيئًا من المال، ضَمِنَه بأيِّ وجهٍ استهلَكَه، وهذا ما لا خلافَ فيه، فأغنَى ذلك عن الإكثار.

واختلَفوا في دفع اللُّقَطَةِ إلى مَن جاء بالعلامةِ دُونَ بَيِّنَةٍ، فقال مالكٌ: تُستَحَقُّ بالعلامة. قال ابنُ القاسم: ويُجْبَرُ على دفعِها إليه، فإن جاء مُستَحِقٌّ فاستَحقَها ببَيِّنَةٍ، لَمْ يَضْمَنِ المُلتَقِطُ شيئًا. قال مالكٌ: وكذلك اللُّصوصُ إذا وُجِد معهم أمتِعةٌ، فجاء قومٌ فادَّعَوها وليست لهم بَيِّنَةٌ، أنَّ السلطانَ يَتَلَوَّمُ في ذلك، فإن لَمْ يَأْتِ غيرُهم دَفَعها إليهم، وكذلك الآبِقُ. وهو قولُ الليثِ بنِ سعدٍ، والحسنِ بنِ حيٍّ، أنَّها تُدفعُ لمن جاء بالعلامة (٣). والحُجَّةُ لمن قال بهذا القولِ قولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اعرِفْ عِفَاصَها ووِكاءَها وعِدَّتَها، فإن جاء صاحبُها فعَرَفها فادْفَعْها إليه". وهذا نصٌّ في موضع الخلافِ يوجِبُ طَرْحَ ما خالَفَه.

وقال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ (٤): لا تُستَحَقُ إلَّا ببيِّنةٍ، ولا يُجْبَرُ على دَفْعِها لمَن جاء بالعلامةِ، ويَسَعُه أن يَدفَعَها إليه فيما بينَه وبينَه دونَ قَضاءٍ.


(١) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تخريجه بعد قليل.
(٢) بعد هذا في ق ١: "وقد أجمعوا أن من استهلك مال غيره وأنفقه بغير إذنه، غرِمَه وضمنه"، والظاهر أن المؤلف استعاض عنها بالعبارة المذكورة بعد.
(٣) تنظر جملة الأقوال السابقة: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣٤٣، ٣٤٤.
(٤) كما في مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>