للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكَر المزنيُّ (١) عن الشافعيِّ قال: فإذا عرَّف طالبُ اللُّقَطَةِ العِفَاصَ، والوِكَاءَ، والعَدَدَ، والوَزنَ، وحلَّاها بحِلْيَتِها، ووقَع في نفسِ المُلْتَقِطِ أنَّه صادقٌ، كان له أنْ يُعطِيَه إيَّاها، ولا أُجْبِرُه؛ لأنَّه قد يُصيبُ الصفةَ بأن يَسمَعَ المُلْتَقِطَ يَصِفُها. قال: ومعنى قولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اعرِفْ عِفاصَهَا ووِكاءَها" واللّهُ أعلمُ، لأنْ يُؤدِّيَ عِفاصَها ووِكاءَها معها، وليُعْلِمَ إذا وضَعَها في مالِه أنَّها لُقَطَةٌ، وقد يكونُ ليَستَدِلَّ على صِدقِ المعترِفِ (٢)، أرأيتَ لو وصَفها عشَرةٌ، أيُعطَونَها ونحن نعلَمُ أنَّ كلَّهم كاذبٌ إلَّا واحدًا بغيرِ عَيْنِه، يُمكنُ أن يكونَ صادقًا.

قال أبو عمر: القولُ بظاهرِ الحديثِ أولَي، ولم يُؤمَرْ بأنْ يَعرِفَ عِفاصَها ووِكاءَها وعلاماتِها إلَّا لذلك. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن عَرَفَها، فادْفَعْها إليه". هكذا قال حمادُ بنُ سلمةَ في حديثه، ومَن كان أسعدَ بالظاهرِ كان أفلَحَ، وباللّه التوفيقُ.

واختلَفوا فيمَن أخَذ لُقَطةً ولم يُشهِدْ على نفسِه أنَّه التقَطَها وأنَّها عندَه يُعرِّفُها، ثم هلَكَت عندَه وهو لَمْ يُشهِدْ:

فقال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو يوسفَ، ومحمَّدٌ: لا ضمانَ عليه إذا هلَكت عندَه من غيرِ تَضْييعٍ منه، وإن كان لَمْ يُشهِدْ. وهو قولُ عبدِ الله بنِ شُبرُمة (٣).

وقال أبو حنيفةَ، وزفرُ: إن أشهَدَ حينَ أخَذها أنَّه يأخُذُها ليُعرِّفَها، لَمْ يَضمَنْها إن هلَكَت، وإن لَمْ يُشهِدْ ضَمِنها (٤). وحُجتُهما في ذلك ما حدَّثني أحمدُ بنُ محمدِ بن أحمدَ، قال: حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ الفضلِ الدِّينَوَريُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو العباسِ


(١) في مختصره ٨/ ٢٢٣٦، وهو في الأمّ ٤/ ٦٩.
(٢) هكذا في الأم، وأما في المختصر للمزني ففيه: "المُعرِّف".
(٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٤٤، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ٩٢.
(٤) ينظرة مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٤٤، والمبسوط للسرخسي ١١/ ١٣، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>