للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشهَدَ أم لَمْ يُشهِدْ - وجَب أن تكونَ اللُّقَطَةُ أمانةً أبدًا، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولتكنْ وديعةً عندَك". ولإجماعهم على أنَّه إذا أشهَدَ لَمْ يَضمَنْ، وكذلك إذا لَمْ يُشهِدْ.

قال أبو عمر: معنى هذا الحديث عندي واللّه أعلمُ: أنَّ مُلتَقِطَ اللُّقَطَةِ إذا عرَّفَها، وسلَك فيها سُنَّتَها، ولم يكنْ مُغيِّبًا، ولا كاتمًا، وكان مُعلِنًا مُعرِّفًا، وحصَل بفعلِه ذلك أمِينًا، لا يَضمَنُ إلَّا بما تُضمَنُ به الأماناتُ، وإذا لَمْ يُعرِّفْها، ولم يَسلُكْ بها سُنَّتَها، وغيَّبَ، وكتَم، ولم يُعلِمِ الناسَ أنَّ عندَه لُقَطَةً، ثم قامَت عليه البيِّنةُ بأنَّه وجَد لُقطةً ذكَرُوها، وضمَّها إلى بينيه، ثم ادَّعَى تَلَفَها، ضمِن؛ لأنَّه بذلك الفعلِ خارجٌ عن حُدودِ الأمانةِ، وباللّه التوفيقُ.

وقال بعضُ أهلِ العلمِ في قولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للسَّائلِ عن اللُّقَطَة: "اعرِفْ عِفاصَها ووِكاءَها، فإن جاء صاحبُها وعَرَفها": يعني بعلامتِها: دليلٌ بيِّنٌ على إبطالِ قولِ كلِّ من ادَّعَى علمَ الغيبِ في الأشياءِ كلِّها؛ من الكَهنةِ، وأهلِ التَّنجيم، وغيرِهم، لأنه لو علِم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه يُوصَلُ إلى علمِ ذلك من هذه الوجوه، لَمْ يكنْ لقولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في معرفةِ علامتِها وجهٌ. واللّهُ أعلمُ. فهذا ما في الحديثِ من أحكامِ اللُّقَطَةِ، ووجُوهِ القولِ فيها.

وأمّا حُكمُ الضَّوَالِّ من الحيوان، فإنَّ الفقهاءَ اختَلَفوا في بعضِ وُجُوهِ ذلك، فقال مالكٌ (١) في ضالَّةِ الغنم: ما قَرُبَ من القُرَى فلا يَأكلُها، ويَضُمُّها إلى أقربِ القُرَى (٢) تُعرَّفُ فيها. قال: ولا يَأكُلُها واجِدُها ولا من تُرِكت عندَه حتى تَمُرَّ بها سنةٌ كاملةٌ، هذا فيما يوجَدُ بقُربِ القُرَي، وأمَّا ما كان في الفَلَواتِ والمَهامِهِ، فإنَّه يأخُذُها، ويأكُلُها، ولا يُعرِّفُها، فإن جاء صاحبُها فليس له شيءٌ؛ لأنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هي لك، أو لأخيك، أو للذِّئب".


(١) المدوّنة ٤/ ٤٥٧.
(٢) من هنا قفز نظر ناسخ ط إلى اللفظة الآتية مثيلتها، فسقط ما بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>