للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المواضع المأمونِ عليها فيها التَّلَفُ، فإذا تُخوِّفَ عليها التَّلَفُ فهي والغَنَمُ سَواءٌ. قال: ولم يُوافِقْ مالكًا أحدٌ من العلماءِ على قولِه في الشاة: إن أكَلها لَمْ يَضمَنْها إذا وجَدها في الموضع المَخُوف. قال: واحتِجاجُه بقولِه عليه السلام: "هي لك، أو لأخيك، أو للذِّئب" لا معنَى له؛ لأنَّ قولَه: "هي لك" ليس هو على معنى التَّمليكِ، كما أنَّه إذا قال: "أو للذِّئب" لَمْ يُرِدْ به التمليكَ؛ لأنَّ الذِّئبَ يأكُلُها على مِلكِ صاحبِها، فكذلك الواجِدُ إن أكَلها، أكَلها على مِلكِ صاحبِها، فيَضمَنُها. واحتَجَّ بحديثِ سُليمانَ بنِ بلالٍ في اللُّقَطَةِ: "ولتكُنْ وديعةً عندَك" (١). قال: وذلك يُوجِبُ ضَمانَها إذا أكَلها.

قال أبو عمر: في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رُدَّ على أخيك ضالَّتَه" من حديثِ عبدِ الله بن عمرِو بن العاص (٢)، دليلٌ على أنَّ الشاةَ على ملكِ صاحبِها، وذلك يُوجِبُ الضَّمانَ على آكِلِها، وباللّه التوفيق.

وقد (٣) قال مالكٌ وهو الذي لا يرى على أكِلِها في الموضع المَخُوفِ شيئًا: إنّ ربَّها لو أدركَها لحمًا في يد واجِدها، وفي يد الذي تُصدِّق بها عليه وأراد أخْذَ لحمِها كان ذلك له، ولو باعها واجدُها كان لربِّها ثمنُها الذي بِيعَتْ به. وهذا يدلُّ على أنَّها على مِلْك مالِكِها عندَه. فالوجْهُ تضمينُ آكِلِها إن شاء اللهُ لأنه لا فَرْقَ بين أكلِ الشاةِ في الوقت الذي أُبيحَ له أخْذُها وبين أكْل اللُّقَطةِ واستهلاكِها بعدَ الحوْل، لأنّهما قد أُبيحَ لكلِّ واحدٍ منهما أن يفعلَ بها ما شاءَ، ويتصرَّفَ فيها بما أحبَّ، ثم أجمَعُوا على ضمان اللُّقَطةِ لصاحبها إن جاء طالبُها، فكذلكَ الشاةُ.

ومن حُجَّةِ مالكٍ قولُه: "هي لك، أو لأخيك"؛ لأنَّه يَحتمِلُ أن يُريدَ بذِكرِ الأخ صاحبَها، وَيحتَمِلُ أن يُريدَ: لك أو لغيرِك من الناسِ الواجِدين لها.


(١) سلف تخريجه قبل قليل.
(٢) سلف تخريجه قبل قليل.
(٣) هذه الفقرة لَمْ ترد في ط، وهي ثابتة في ق، ك ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>