للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيّ الوجهينِ كان، فالظاهرُ من قولِه: "أو للذِّئب". يُوجبُ تلفَها، أي: إنْ لَمْ تَأخُذْها أنت ولا مثلُك، أكَلها الذِّئبُ، وأنتَ ومثلُك أوْلَى من الذِّئب. فكأنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعَلها طُعمةً لِمَن وجَدها. فإذا كان ذلك كذلك، فلا وجهَ للضَّمانِ في طُعمةٍ أطعَمها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد شَبَّهَها بعضُ المتأخِّرين مِن أصحابِه بالرِّكازِ. وهذا بعيد، لأنَّ الرِّكازَ لَمْ يصِحَّ عليه مِلكٌ لأحدٍ قبلُ.

ويجوزُ أن يُحتَجَّ أيضًا لمالكٍ في تركِ تَضْمينِ آكِلِها بإجماعِهم على إباحةِ أكلِها، واختلافِهم في ضَمانِها، والاختلافُ لا يُوجِبُ فَرضًا لَمْ يكنْ واجِبًا. وهذا الاحتِجاجُ مُخالِفٌ لأصولِ مالكٍ ومذهبِه (١)، وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هي لك، أو لأخيك، أو للذِّئب"، ولم يَقُلْ ذلك في الإبلِ ولا في اللُّقَطَةِ، وذلك فرقٌ بيِّنٌ إن شاء اللهُ.

هذا مما يُمكِنُ أن يُحتَجَّ به لمالكٍ في ذلك، وفي المسألةِ نظرٌ، والصحيحُ ما قَدَّمْتُ لك (٢)، وباللّه التوفيقُ.

وقد قال سُحنونٌ في "المستَخْرجةِ" (٣): إن أكَل الشاةَ واجِدُها في الفَلاةِ، أو تصدَّقَ بها، ثم جاء صاحبُها، ضَمِنَها. وهو القياسُ (٤) من قولِ مالكٍ، أنَّ مَن أكَل طعامًا قد اضطُرَّ إليه لغيرِه، لَزِمَه قِيمَتُه، والشاةُ أوْلَى بذلك، واللّهُ أعلمُ.

وروَى أشهبُ، عن مالكٍ (٥)، في الضَّوالِّ من المواشي يَتصَدَّقُ بها المُلْتَقِطُ بعدَ التعريف، ثم يَأتي ربُّها: إنَّه ليس له شيءٌ. قال: وليستِ المواشي مثلَ الدَّنانير.


(١) قوله: "وهذا الاحتجاج مخالف لأصول مالك ومذهبه" سقط من ك، ط.
(٢) قوله: "والصحيح ما قدمت لك" لَمْ يرد في ك ٢، ط، وهو ثابت في ق.
(٣) كما في البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد ١٥/ ٣٧٥ - ٣٧٦.
(٤) من هنا إلى آخر الفقرة لَمْ يرد في ط.
(٥) كما في البيان والتحصيل لأبي الوليد بن رشد ١٥/ ٣٦٥ - ٣٦٦ و ١٥/ ٣٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>