للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديثِ من الفِقْهِ أن العربَ تُسْبَى وتُسْتَرَقُّ، وهو أصحُّ حديث يُروَى في هذا المعني، وفيه ردٌّ على مَن قال: إنَّ العربَ لا تُسْتَرَقُّ. وفيه إباحةُ الوَطْءِ بمِلْكِ اليمين، وأنَّ ما وقَع في سَهْم الإنسانِ من الغَنيمةِ مِلكُ يَمينِه، وذلك، والحمدُ للّه، من أطيبِ الكَسْبِ، وهو ممَّا أحلَّه اللهُ لهذه الأمَّةِ، وحرَّمَه على مَن قبلَها. وجوازُ الوطءِ بمِلْكِ اليمينِ مُقيَّدٌ بمعانٍ في الشريعة:

منها: أنَّه لا يَدخُلُ في ذلك ذواتُ المحارم من النسبِ والرَّضاع.

ومنها: ألّا توطأَ من ليست كتابيةً حتى تُسْلِمَ.

ومنها: ألّا تُوطَأَ حامل حتى تَضَعَ، ولا حائِل (١) حتى تَحِيضَ حيضةً.

وأمَّا وَطْءُ نساءِ بني المُصْطَلِقِ، فلا يَخلُو أمرُهُنَّ من أن يَكُنَّ من نساءِ العربِ الذين دانوا بالنصرانيَّةِ أو اليهوديَّةِ، فيَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ، أو يَكُنَّ من الوَثنيَّاتِ، فتكونَ إباحةُ وَطْئِهِنَّ منسوخةً بقولِ الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}؛ يعني: الوَثَنِيَّاتِ ومَن ليس من أهلِ الكتابِ {حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١]. وعلى هذا جماعةُ فُقهاءِ الأمصارِ وجمهورُ العلماءِ، وما خالفَه فشذوذٌ لا يُعرَّجُ عليه، ولا يُعَدُّ خِلافًا.

وفيه أنَّ الرجلَ يجوزُ له أن يُخْبِرَ عن نفسِه بما فيه ممَّا لا نَقِيصةَ عليه في دينِه منه، من شهوةِ النِّساءِ للعَفافِ، وحبِّ المالِ للتَّستُّرِ والكَفافِ، والاستغناءِ عن الناسِ، ألا ترَى إلى قولِه: اشتدَّتْ علينا العُزْبةُ، وأحْبَبْنا الفِداءَ؟

وأمَّا قولُه: "فما عليكم"، فـ "ما" بمعنَى"ليس"، و"لا" زائِدَ، كقولِه تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: ١٢]. بمعنى: أن تَسْجُدَ. فيكونُ


(١) أي: ولا حامل. يقال: حالت المرأة والنَّخلة والناقة وكلُّ أنثى حِيالًا، بالكسر: لَمْ تحمِل، فهي حائلٌ. (المصباح المنير "حول").

<<  <  ج: ص:  >  >>