للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر: في روايةِ مالكٍ لهذا الحديثِ دليلٌ على جوازِ الوَكالةِ في النِّكَاح، وهو أمرٌ لا أعلمُ فيه خلافًا. والرِّوايةُ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوَّجَ ميمونةَ وهو حلالٌ مُتواترةٌ عن ميمونة بعينِها، وعن أبي رافع مولى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن سليمانَ بن يَسارٍ مولَاها، وعن يزيدَ بنِ الأصمِّ؛ وهو ابنُ أُختِها. وهو قولُ سعيدِ بنِ المسيِّبِ، وسليمانَ بنِ يسارٍ، وأبي بكر بن عبدِ الرَّحمن، وابنِ شهاب، وجمهورِ علماءِ المدينةِ، أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنكِحْ ميمونةَ إلَّا وهو حلالٌ قبلَ أن يُحْرِمَ. وما أعلمُ أحدًا من الصحابةِ روَى أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نكَح ميمونة وهو مُحرِمٌ، إلَّا عبدَ الله بنَ عباس، وروايةُ مَن ذكَرْنا مُعارِضة لروايتِه، والقلبُ إلى رواية الجماعةِ أميَلُ؛ لأنَّ الواحِدَ أقربُ إلى الغَلَطِ، وأكبرُ أحوالِ حديثِ ابنِ عباسٍ أن يُجعَلَ مُتعارِضًا مع روايةِ مَن ذكَرنا، فإذا كان كذلك سقَط الاحتِجاجُ بجميعِها، ووجَب طلبُ الدليلِ على هذه المسألةِ من غيرِها، فوجَدنا عثمانَ بنَ عفانَ رضيَ اللهُ عنه قد روَى عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه نهَى عن نكاحِ المحرمِ، وقال: "لا يَنكِحُ المحرمُ، ولا يُنكَحُ". فوجَب المصيرُ إلى هذه الرِّوايةِ التي لا مُعارِضَ لها؛ لأَنَّه يَستحيلُ أن يَنهَى عن شيءٍ ويَفْعَلَه، مع عملِ الخلفاءِ الرَّاشدين لها؛ وهم عمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ رضي اللهُ عنهم. وهو قولُ ابن عمرَ، وأكثرِ أهلِ المدينةِ. وسنذكُرُ حديثَ عثمانَ في موضعِه من كتابِنا هذا إن شاء الله (١).

وذكر مالكٌ (٢)، عن داودَ بنِ الحُصَينِ، عن أبي غَطَفَانَ بنِ طريفٍ المُرِّيِّ قال: تزوَّجَ أبي وهو مُحرمٌ، ففرَّقَ بينَهما عمرُ بنُ الخطَّاب.


(١) هو في الموطّأ ١/ ٤٦٨ (٩٩٧)، وسيأتي في باب نافع عن نُبيه بن وهب في موضعه إن شاء الله تعالى. وهو عند مسلم (١٤٠٩) وقد سلفت الإشارة إليه قريبًا.
(٢) في الموطّأ ١/ ٤٦٩ (٩٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>