حتى يَتطهَّرْنَ بالماء؛ لأنَّ "تَطَهَّرْنَ""تَفَعَّلْنَ" مأْخُوذٌ من قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: ٦]. يريدُ الاغْتِسالَ بالماءِ. وقد يقَعُ التحريمُ بالشيءِ ولا يَزولُ بزَوالِه لعِلَّةِ أُخرى؛ دليلُ ذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ في المَبْتُوتَة:{فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠] وليس تَحِلُّ له بنِكاح الزوجِ حتى يَمسَّها ويُطَلِّقَها، وكذلك لا تَحِلُّ الحائضُ للوطءِ بالطُّهرِ حتى تَغْتَسِلَ.
ومثلُ ذلك قولُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُوطَأُ حامِلٌ حتى تَضع، ولا حائِلٌ حتى تَحِيضَ"(١). ومَعْناه: حتى تضَع وتَطْهُرَ من دَمِ نِفاسِها أو حَيْضَتِها وتَغْتَسِلَ.
ومن هذا المعنَى أيضًا أنَّ الإحرامَ يَمنعُ من الطِّيبِ واللِّباسِ والصَّيدِ والنِّساءِ، وقد يقَعُ الحِلُّ من ذلك كلِّه قبل أن يقَعَ من وطْءِ النساءِ حتى يَكمُلَ الخُروجُ من الحَجِّ، فيَحِلَّ حينئذٍ الوطْءُ، فكذلكَ الحيضُ، يُوجبُ تَحْريمَ الصلاةِ والصومِ وإتيانِ الزوج، فإذا انقطَعَ الدمُ انحَلَّ عنها بعضُ ذلك بإباحَةِ الصَّوْمِ لها، وبَقِيَ تَحريمُ الصلاةِ إلى أن تأتِيَ بالطهارة، فكذلك حُكْمُ الجِماع، يَبْقَى تَحريمُه حتى لا يَبقَى للحيضِ حُكْمٌ، واللّهُ أعلمُ. وفي المسألةِ اعْتِراضاتٌ، وفيما ذكَرنا كفايةٌ، والحمدُ للّه.
(١) سلف تخريجه في أثناء شرح الحديث الخامس لربيعة بن أبي عبد الرَّحمن.