للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر: وحُجَّةُ مَن لَمْ يُوجِبْ عليه كفَّارةً إلّا الاستغفارَ والتوبةَ، اضْطِرابُ هذا الحديثِ عن ابن عباسٍ، وأنَّ مثلَه لا تقومُ به حُجَّةٌ، وأنَّ الذِّمَّةَ على البَراءَةِ، ولا يَجِبُ أن يَثْبُتَ فيها شيءٌ لمسكينٍ ولا غيرِه، إلّا بدليلٍ لا مَدْفَعَ فيه ولا مَطْعَنَ عليه، وذلك مَعْدُومٌ في هذه المسألة.

واختَلَف الفقهاءُ أيضًا في وطْءِ الحائضِ بعدَ الطُّهْرِ وقبلَ الغُسْلِ، فقال مالكٌ وأكثرُ أهل المدينة: إذا انقطَع عنها الدمُ لَمْ يَجُزْ وطْؤُها حتى تَغْتَسِلَ. وبه قال الشافعيُّ، والطبريُّ، ومحمدُ بنُ مَسلمةَ (١).

وقال أبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ: إن انقطَع دَمُها بعدَ مُضِيِّ عشَرةِ أيام جاز له أن يَطَأَها قبلَ الغُسلِ، وإن كان انقطاعُه قبلَ العشَرةِ لَمْ يَجُزْ حتى تَغتسِلَ أو يَدخُلَ عليها وقْتُ صلاة (٢).

قال أبو عمر: هذا تَحَكُّمٌ لا وجْهَ له، وقد حَكَمُوا للحائضِ بعدَ انقطاع دَمِها بحُكْمِ الحيضِ في العِدَّة، وقالوا: لزَوْجِها عليها الرَّجْعَةُ ما لَمْ تَغْتَسِلْ. فعلى قياسِ قولِهم هذا لا يَجبُ أن تُوطأَ حتى تَغتسِلَ، وهو الصَّوابُ مع مُوافَقَةِ أهلِ المدينةِ، وباللّه التوفيقُ.

فإن قيل: إنَّ في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} بعدَ قوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢]، دليلًا على أنَّ المَحِيضَ إذا زالَ وطَهَرْنَ، جاز إتيانُهُنَّ من حيثُ أُمِرْنا باجْتِنابِهِنَّ. فالجَوابُ أنَّ في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} دليلًا على بَقاءِ تَحريم الوطءِ بعدَ الطُّهرِ


(١) ينظر: بداية المجتهد لابن رشد ١/ ٦٣، والمغني لابن قدامة ١/ ٢٤٥.
(٢) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ١/ ٥١١، والمبسوط للسرخسي ٣/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>