للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في هذا الحديثِ عن أبي موسى أنَّه كان استئذانُه يومَئذٍ بأن قال: يستأذِنُ عبدُ الله بنُ قيسٍ، يستأذِنُ أبو موسى. ونحوُ هذا.

قال أبو عمر: وفيه أنَّ الرجلَ العالمَ الحَبْرَ قد يُوجَدُ عندَ مَن هو دونَه في العِلْمِ ما ليس عندَه من العلم، إذا كان طريقُ ذلك العلم السَّمْعَ، وإذا جاز مثلُ هذا على عمرَ على موضعِه في العلم، فما ظَنُّك بغيرِه بعدَه؟

وروَى وكيعٌ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ، عن عبدِ الله بن مسعودٍ، قال: لو أنَّ علمَ عمرَ وُضِعَ في كِفَّةٍ، ووُضِع علمُ أحياءِ الأرضِ في كِفَّةٍ أُخرَي، لرجَح علمُ عمرَ بعلمِهم. قال الأعمشُ: فذكَرتُ ذلك لإبراهيمَ، فقال: لا تَعْجَبْ من هذا، فقد قال عبدُ الله: إنِّي لأحسَبُ تسعةَ أعشارِ العلمِ ذهَب يومَ ذهَب عمرُ (١).

وجاءَ عن حُذيفةَ مثلُ قولِ عبدِ الله (٢).

قال أبو عمر: زعَم قومٌ أنَّ في هذا الحديثِ دليلًا على أنَّ مذْهبَ عمرَ الَّا يقبلَ خبرَ الواحدِ. وليس كما زعَموا؛ لأنَّ عمرَ رضي الله عنه قد ثبَت عنه استعمالُ خبرِ الواحدِ وقبولُه، وإيجابُ الحكْم به، أليس هو الذي نَشَد الناسَ بمِنًى: مَن كان عندَه علمٌ برسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الدِّيَةِ، فليُخْبِرْنا؟ وكان رأيُه أنَّ المرأةَ لا تَرِثُ من دِية زوجِها؛ لأنَّها ليست من عَصَبَتِه الذين يعقِلُون عنه، فقام الضَّحَّاكُ بنُ سفيانَ الكِلابيُّ، فقال: كتَب إليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ أُوَرِّثَ امرأةَ أشْيَمَ الضِّبَابيِّ من دِيةِ زوجِها (٣).


(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/ ٣٣٦، وابن أبي شيبة في المصنّف (٣٢٦٦٦)، وأبو خيثمة زهير بن حرب في العلم (٦١)، والطبراني في الكبير ٩/ ١٦٢ (٨٨٠٨) من طريق الأعمش سليمان بن مهران، به. أبو وائل: هو شقيق بن سلمة.
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/ ٣٣٦.
(٣) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٤٣٧ (٢٥٣٥) عن محمد بن شهاب الزُّهري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الحديث الحادي عشر من مراسيل ابن شهاب، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى مع تخريجه ومزيد كلام عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>