للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّثَنَا سليمانُ بن الأشْعَثِ، قال (١): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يزيدُ بنُ زُرَيع، قال: حَدَّثَنَا خالدٌ الحَذَّاءُ، عن أبي المَليح، عن نُبَيْشَةَ، قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّا كُنَّا نَهَيْناكم عن لُحُومِها أن تَأكُلُوها فوقَ ثلاثٍ لكي تَسَعَكم، فقد جاء اللهُ بالسَّعَة، فكُلوا، وادَّخِروا، وائتَجِروا، أَلا وإنَّ هذه الأيامَ أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرِ الله عزَّ وجلّ".

قال أبو عمر: هكذا في حديثِ نُبَيْشَةِ الخير، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فكُلوا، وادَّخِروا، وائتَجِروا". ومعناه: اتَّخِذوا الأجْرَ فيما تتَصدَّقُون به منها. يُبَيِّنُ ذلك حديثُ عمرةَ، عن عائشةَ المتَقدِّمُ ذِكْرُه؛ فيه: "فكلوا، وتَصَدَّقوا، وادَّخِروا" ومعناهما عندي واحدٌ، واللّهُ أعلمُ.

وأمَّا قولُه: "فكُلوا، وتَصَدَّقوا، وادَّخِروا" على لفظِ الأمرِ، فإنَّ معناه الإباحَةُ لا الإيجابُ، وهكذا كلُّ أمرٍ يأتي في الكتابِ والسُّنَّةِ بعدَ حَظْرٍ ومَنع تقَدَّمَه، فمعناه الإباحةُ لا غيرُ، ألا ترَى أنَّ الصَّيدَ لما حُظِرَ على المحرم، ومُنِع منه، ثم قيل له بعدَ أنْ حَلَّ: اصْطَدْ إذا حَلَلْتَ. كان ذلك إباحةً له في الاصطيادِ، لا إيجابًا لذلك عليه؟ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢]. ومثلُ ذلك: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: ١٠]. وهو كثيرٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ. والحمدُ للّه. وهذا أصلٌ جَسيمٌ في العلم، فقِفْ عليه.

وإذا كان هذا كما ذكَرْنا، فجائزٌ للمُضَحِّي أنْ يأكُلَ أُضْحِيّتَه كلَّها، وجائز أنْ يَتَصَدَّقَ بها كلَّها، وجائزٌ أنْ يَدَّخِرَ وألَّا يَدَّخِرَ، وعلى هذا جماعةُ العلماءِ، إلّا أنَّهم يَسْتَحِبُّون للمُضَحِّي أنْ يأكُلَ ويتصدَّقَ، ويكرَهون له ألا يَتصدَّقَ منها بشيءٍ.


(١) في سننه (٢٨١٣)، ومن طريقه أخرجه البيهقي ٩/ ٩٢ (١٩٦٩٢).
وأخرجه ابن ماجة (٣١٦٧)، والنسائي (٤٢٣١) من طريقين عن يزيد بن زريع، به. وإسناده صحيح، مسدّد: هو ابن مسرهد، وأبو المليح: هو ابن أسامة بن عمير الهذلي، وصحابيُّه نبيشة: هو ابن عبد الله الهذلي، يقال له: نبيشة الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>