للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الشافعيُّ رحِمه الله يَسْتَحِبُّ أنْ يأكُلَ من أُضْحِيَّته ثُلثَها، ويتصدَّقَ بثُلُثٍ، ويدَّخِرَ ثُلُثًا، على ما جاءَ في الحديث. وكان غيرُه يَسْتَحِبُّ أن يتَصدَّقَ بنصفٍ، ويأكُلَ نِصْفًا؛ لقولِ الله في البُدْنِ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦]. وأمَّا مالكٌ رحِمه اللهُ، فلم يَحُدَّ في ذلك حدًّا، وكان يَسْتَحِبُّ أنْ يأكُلَ منها ويتصدَّقَ من غيرِ أن يَحُدَّ في ذلك حدًّا (١).

حدَّثني أحمدُ بنُ عمرَ، قال: حَدَّثَنَا عبدُ الله بنُ محمدِ بن عليٍّ، قال: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ فُطَيسٍ، قال: حَدَّثَنَا يونُسُ بنُ عبدِ الأعلي، قال: حَدَّثَنَا مَعنُ بنُ عيسى، عن معاويةَ بنِ صالحٍ، عن أبي الزَّاهِريَّة، عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن ثوبانَ قال: ذبَح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحِيَّتَه، ثم قال: "يا ثوبانُ، أصلِحْ لَحْمَ هذه الأُضحِيةِ". فلم أزلْ أُطْعِمُه منها حتى قدِم المدينةَ (٢).

ففي هذا الحديثِ ادِّخارُ لَحْمِ الأُضحية، وفيه الضَّحيَّةُ في السَّفَر.

وأما قولُه: "ونَهيْتُكم عن الانْتِباذِ، فانْتَبِذوا، وكلُّ مسكرٍ حرامٌ" فإنَّ ذلك عندَ أهلِ العلم محمولٌ على أنَّ النَّهْيَ عنها معناه لسُرعةِ الشِّدَّةِ فيها، ولهذا ثبَت على كراهيةِ الانْتِباذِ فيها جماعةٌ من العلماءِ؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثَ النَّاسِخ: "وكلُّ مسكرٍ حرامٌ" (٣). وكرِهوا الانْتباذَ فيها خَوْفًا من مواقعةِ المسكرِ، واللّهُ أعلمُ.


(١) ينظر ما نقل عن مالك وغيره: بداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٢٠١.
(٢) أخرجه أبو عوانة في المستخرج ٥/ ٨٢ (٧٨٧٤)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ١٨٥ (٦٢٦٣) عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي، به.
وأخرجه مسلم (١٩٧٥) (٣٥) من طريق معن بن عيسى القزّاز، به.
وهو عند أحمد في المسند ٣٧/ ٧٤ (٢٢٣٩١)، وأبي داود (٢٨١٤)، والنسائي في الكبرى ٤/ ٢١٤ (٤١٤٢) من طرقٍ عن معاوية بن صالح بن حدير الحضرميّ، به. أبو الزاهرية: هو حدير بن كريب الحضرميّ.
(٣) سيأتي تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>