للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثٍ، فكُلوا، وأطعِموا، وادَّخِرُوا، ونَهَيْتُكم عن الظُّروفِ، فانْتَبِذوا فيما بَدا لكم، واجْتَنِبوا كلَّ مسكرٍ" (١).

وروَى محمدُ بنُ إسحاقَ، عن سلمةَ بنِ كُهَيْلٍ، عن ابنِ بُرَيدةَ، عن أبيه، أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخَّصَ في الظُّروفِ بعدَ أنْ نهَى عنها (٢). وانفرَد به محمدُ بنُ إسحاقَ، عن سلمةَ بن كُهَيْل، وليس لسلمةَ عن ابنِ بُرَيْدَةَ عيرُ هذا الحديث (٣).

قال أبو عمر: احتجَّ بعضُ مَن أجاز شربَ النَّبيذِ الصلْبِ بأحاديثِ هذا الباب، وقالوا: هذه الأحاديثُ تَدُلُّ على أنَّ الذي نُهِيَ عنه من شربِ النَّبيذِ هو ما أُسكِرَ شاربُه منه، وما لَمْ يُسْكِرْه فليس بحرامٍ عليه.

قالوا: والمسكِرُ مثلُ المحَنْتَم من الأطعمةِ، والمُبْشِم، والمُوخِم، والمُشْبع، وهو ما أشْبَعَ من الأطعمةِ وأتْخَمَ، ولا يقالُ لمن أكَل لُقْمَةً واحدةً: أكَل ما يُتْخِمُه ويُشْبِعُه. وأكثَروا من القولِ في هذا المعنَى ممَّا لا وجهَ لإيرادِه هاهنا.

وقالوا: قد قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اشْرَبوا في الظُّروفِ كلِّها ولا تَسْكَروا" (٤). بعد أنْ كان نَهاهم عن الانْتِباذِ في بعضِها.

قالوا: ومُحالٌ أن يقولَ رسولُ الله: اشرَبوا ما لا يُسْكِرُ قليلُه ولا كثيرُه، وإيَّاكم أن تَسْكَروا، لأنَّ هذا غيرُ جائزٍ أن يُضافَ مثلُه إليه؛ لأنَّ الحلوَ الذي لا


(١) أخرجه النسائي في المجتبى (٥٦٧٨)، وفي الكبرى ٥/ ١٠٦ (٥١٦٨) من طريق يزيد بن هارون، به.
وهذا إسناد حسن، شريك: هو ابن عبد الله النخعي، وسماك بن حرب صدوقان عند التابعة، وقد تُوبعا على هذا المعنى من وجوه عديدة وصحيحة، ومنها الحديث السالف قبله.
(٢) أخرجه البزار في مسنده ١٠/ ٣١٣ (٤٤٣٦)، ومحمد بن إسحاق مدلِّس ولم يصرِّح فيه بالتحديث. ومعناه صحيح بما سلف من وجوه أخرى.
(٣) قاله البزار بإثر الحديث السالف.
(٤) سلف تخريجه والكلام عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>